دلالة لفظ الظالم على العموم ، ثمّ قال : وأمّا قول الرافضة فذلك لا يتمّ إلّا بالطعن في القرآن و[ إثبات ] أنّه غيّر وبدّل ، ولا نزاع في أنّه كفر (١) .
وفيه : أنّه لم يقل أحد من أصحابنا رضوان الله عليهم في خصوص الآية بالتغيير والتبديل ، كما افتراه عليهم ، بل يقولون : إنّ المراد من لفظ فلان ولفظ الشيطان هو الثاني ، وإنّما كنّى الله عنه ولم يصرّح باسمه لحكم كثيرة منها : عدم سدّ باب الضلال والامتحان على الناس ، وكذلك لفظ الظالم في الآية - وإن كان عاما - إلّا أنّ المراد أو أظهر مصاديقه هو الظالم لآل محمّد حقهم ، وهو الأول ، كما أنّ المراد من لفظ الفاسق في قوله : ﴿إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾(٢) هو الوليد بن المغيرة (٣) ، وإن كان اللفظ عاما ، والمراد من لفظ المؤمن في كثير من الآيات ومن قوله : ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ﴾(٤) خصوص أمير المؤمنين ، (٥) وإن كان اللفظ عاما.
﴿وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً * وَكَذلِكَ جَعَلْنا
لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً (٣٠) و (٣١)﴾
ثمّ حكى سبحانه شكاية النبي صلىاللهعليهوآله من قومه المعترضين عليه بقوله : ﴿وَقالَ الرَّسُولُ﴾ شكاية إلى ربّه إثر ما شاهد من قومه العتوّ والطّغيان والطّعن في القرآن : ﴿يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي﴾ قريشا ﴿اتَّخَذُوا﴾ وجعلوا ﴿هذَا الْقُرْآنَ﴾ الذي أنزلته لهدايتهم ﴿مَهْجُوراً﴾ ومتروكا ، بأن أعرضوا عنه ، وصدّوا الناس عن الايمان به ، أو مهجورا فيه ومستهزءا به بقولهم : إنّه شعر ، أو سحر ، أو كهانة ، أو كذب.
قيل : إنّ الرسول يقول ذلك في الآخرة (٦) .
ثمّ سلّى سبحانه قلب حبيبه بقوله : ﴿وَكَذلِكَ﴾ العدوّ الذي جعلنا لك من مجرمي قومك كأبي جهل وأضرابه ﴿جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍ﴾ قبلك ﴿عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ﴾ والمتمرّدين من قومهم كنمرود لابراهيم ، وفرعون لموسى ، واليهود لعيسى ، فاصبر أنت كما صبروا وتظفر كما ظفروا ﴿وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً﴾ لك إلى جميع مطالبك التي منها رواج شرعك ﴿وَنَصِيراً﴾ لك على أعدائك ، فاجتهد في التبليغ ولا تبال أحدا.
﴿وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ
وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً * وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (٣٢) و (٣٣)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ : ٧٥.
(٢) الحجرات : ٤٩ / ٦.
(٣) مجمع البيان ٩ : ١٩٨.
(٤) البقرة : ٢ / ٢٠٧.
(٥) تفسير الرازي ٥ : ٢٠٤ ، كفاية الطالب : ٢٣٩.
(٦) تفسير الرازي ٢٤ : ٧٧.