عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(١) ثمّ قالت لأخته : ﴿قُصِّيهِ﴾ أي أتبعيه (٢) ، فجاءت أخته إليه ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ﴾ أي بعد ﴿وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾(٣) فلمّا لم يقبل موسى بأخذ ثدي أحد من النساء اغتمّ فرعون غمّا شديدا » (٤) الخبر.
﴿إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرّ
َ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي
أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى (٤٠)﴾
ثمّ ذكر منّته عليه بردّه إلى امّه بقوله : ﴿إِذْ تَمْشِي﴾ وتذهب ﴿أُخْتُكَ﴾ مريم إلى بيت فرعون ﴿فَتَقُولُ﴾ لفرعون وامرأته حين رأتهما يطلبان له مرضعة يقبل ثديها : ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ﴾ ويحضنه ويربّيه من المرضعات ؟
روي أنّه فشا الخبر بمصر أنّ آل فرعون أخذوا غلاما من النّيل لا يرضع من ثدي امرأة ، واضطرّوا إلى تتبّع النساء ، فخرجت مريم لتعرف [ خبره ] فجاءتهم منكّرة فقالت ما قالت ، فقالوا : من هي ؟ قالت : امّي ، قالوا : لها لبن ؟ قالت : نعم لبن أخي هارون ، فجاءت بها فقبل ثديها (٥) ، فحكى الله ذلك بقوله : ﴿فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ﴾ وفاء بالوعد حيث قلنا : إنّا رادّوه إليك ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها﴾ ويسرّ قلبها بلقائك ﴿وَلا تَحْزَنَ﴾ بفراقك وبار تضاعك من ثدي غيرها.
عن الباقر عليهالسلام - في رواية - « فلمّا أخذته بحجرها وألقمته ثديها ، التقمه وشرب ، ففرح فرعون وأهله ، وأكرموا امّه ، فقال لها : ربّيه لنا ، فإنّا نفعل بك ما نفعل » (٦) . فسأله الراوي : كم كان موسى غائبا عن امّه حتى ردّه الله عليها ؟ قال : « ثلاثة أيّام » (٧) .
ثمّ ذكر الله منّته الاخرى بقوله : ﴿وَقَتَلْتَ نَفْساً﴾ من القبط بوكزه حين استغاث بك الإسرائيلي عليه ، فاغتممت لذلك خوفا من تظاهر القبط عليك ، واقتصاص فرعون منك ﴿فَنَجَّيْناكَ مِنَ﴾ ذلك ﴿الْغَمِ﴾ بالهجرة إلى مدين ﴿وَفَتَنَّاكَ﴾ وامتحنّاك بهذه المذكورات والمتاعب التي صبرت عليها في طريق مدين ﴿فُتُوناً﴾ وامتحانا تامّا ، أو امتحانات عديدة ، أو المعنى أخلصناك من الأخلاق الرّذيلة تخليصا كاملا ﴿فَلَبِثْتَ﴾ وأقمت ﴿سِنِينَ﴾ كثيرة ﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ عند شعيب تخدمه وترعى أغنامه ﴿ثُمَّ جِئْتَ﴾ الوادي المقدّس لاكلّمك وأريك الآيات ﴿عَلى قَدَرٍ﴾ قدّرته وقضاء قضيته ، أو
__________________
(١) القصص : ٢٨ / ١٠.
(٢) في النسخة : ابتغيه.
(٣) القصص : ٢٨ / ١١.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٣٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٦.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٣٨٤.
(٦) في النسخة : ونفعل.
(٧) تفسير القمي ٢ : ١٣٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٦.