أعمالهم.
قيل : إنّما قدّم ذكر الصغيرة لكونها جارّة إلى الكبيرة (١) ، ويحتمل أن يكون [ المراد ] من حضور الأعمال تجسّمها في نظرهم مضافا إلى رؤيتها في كتابها. أو يكون المراد رؤية جزائها وشهوده ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً﴾ بكتابة ما لم يعمل ، أو العقوبة زائدا على الاستحقاق.
﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ
أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ
بَدَلاً * ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَما كُنْتُ
مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً (٥٠) و (٥١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر افتخار المشركين على فقراء المؤمنين وتكبّرهم عليهم ، ذكر تكبّر إبليس عن السجود لآدم ردعا لهم وبيانا لسوء عاقبة الكبر بقوله : ﴿وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا﴾ له ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ فانّه أبى واستكبر ؛ لأنّه ﴿كانَ مِنَ الْجِنِ﴾ المخلوق من النار المجبول على الترفّع ، ولم يكن من الملائكة المخلوقين من النّور ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾(٢) .
ثمّ وبّخ الله سبحانه المتكبّرين على اتّباعه ما غاية عداوته لآدم وذريّته بقوله : ﴿أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ﴾ لأنفسكم ﴿أَوْلِياءَ﴾ وأحبّاء متبوعين ﴿مِنْ دُونِي﴾ وبدلا منّي ﴿وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ﴾ مبغض ، وحقّهم أن تعادوهم وتبغضوهم لا أن توالوهم ، وأن تخالفوهم لا أن تطيعوهم ﴿بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ﴾ والكافرين المتكبّرين ﴿بَدَلاً﴾ من الله إبليس وذريّته.
ثمّ بيّن سبحانه تعالى فقدانهم لما يوجب التكبّر على غيرهم ، وهو كونهم أعوان الله وشركاءه في الخلق بقوله : ﴿ما أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وما أحضرتهم حينئذ لأستعين بهم في خلقهما ، أو أشاورهم في إيجادهما ﴿وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ﴾ مع كمال حقارتهم بأن يعيننا بعضهم في خلق بعض آخر ، وما شاورتهم في تدبير العالم ﴿وَما كُنْتُ﴾ من قبل خلق الموجودات إلى الأبد ﴿مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ﴾ من الشيطان وذرّيته وأتباعه من الجنّ والإنس لنفسي في الخلق والتدبير ﴿عَضُداً﴾ وعونا.
قيل : إنّ المراد ما أشهدت الذين اتّخذتموهم أولياء خلق السماوات والأرض ، ولا أشهدت بعضهم
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ١٣٤.
(٢) لم يرد تفسيرها عن المصنف.