قيل : إنّما وصف المنهيات بمطلق الكراهة مع كون جميعها أو جلّها من أكبر الكبائر ، إيذانا بكفاية مجرّد كراهة الله تعالى لشيء في وجوب الالتزام بتركه (١) .
﴿ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي
جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً (٣٩)﴾
ثمّ حثّ سبحانه في العمل بالتكاليف المفصّلة بقوله : ﴿ذلِكَ﴾ المذكور من التكاليف ﴿مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ وما يستقلّ بحسنه وصلاحة العقل السليم ، أو من الأحكام المحكمة التي لا تقبل النّسخ ، أو من الأحكام التي كانت في ألواح موسى ، كما عن بن عباس (٢) .
ولمّا كانت دليلا على الوحدانية ، ختم سبحانه الأحكام بما بدأها بقوله : ﴿وَلا تَجْعَلْ﴾ أيّها الانسان ﴿مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ﴾ تنبيها على أنّ التوحيد أول المقاصد وآخرها ، وأنّ عمدة الغرض منها تكميله.
ثمّ أنّه تعالى بعد التهديد أولا على الشّرك بالعذاب الدنيوي ، هدّد عليه آخرا بالعذاب الاخروي بقوله : ﴿فَتُلْقى﴾ في الآخرة ﴿فِي جَهَنَّمَ﴾ حال كونك ﴿مَلُوماً﴾ عند نفسك وغيرك على ما كنت عليه من الشّرك ﴿مَدْحُوراً﴾ ومطرودا من رحمة الله.
عن القمي : المخاطبة للنبي صلىاللهعليهوآله ، والمعنى للناس (٣) .
عن الباقر عليهالسلام - في حديث - « ثم بعث الله محمّدا صلىاللهعليهوآله وهو بمكة عشر سنين ، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله إلا أدخله الله الجنة بإقراره ، وهو إيمان التصديق ، ولم يعذّب الله أحدا ممن مات وهو متّبع لمحمّد صلىاللهعليهوآله على ذلك إلّا من أشرك بالرحمن ، وتصديق ذلك أنّ الله عزوجل أنزل عليه في سورة بني إسرائيل آية (٤)﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾ إلى قوله : ﴿إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً﴾(٥) أدب وعظة وتعلّم ونهي خفيف ، ولم يعد عليه ، ولم يتواعد على اجتراح شيء ممّا نهى عنه ، وأنزل نهيا عن أشياء حذّر عليها ولم يغلظ فيها ، ولم يتواعد عليها ، وقال : ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ وتلا الآيات إلى قوله : ﴿مَلُوماً مَدْحُوراً﴾(٦) .
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٥ : ١٧٢ ، تفسير روح البيان ٥ : ١٥٩.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ٢١٤ ، تفسير أبي السعود ٥ : ١٧٣ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٣.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٢٠ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٣.
(٤) في الكافي وتفسير الصافي : بمكة.
(٥) الإسراء : ١٧ / ٢٣ - ٣٠.
(٦) الكافي ٢ : ٢٥ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٤ ، والآيات من سورة الإسراء : ١٧ / ٣١ - ٣٩.