في تفسير سورة الأنبياء
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ
مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ
ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَ فَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (١) و (٣)﴾
ثمّ لمّا ختم الله سورة طه بتهديد المعرضين عن القرآن بالعذاب الدنيوي والاخروي ، وأمر نبيّه صلىاللهعليهوآله بالصّبر على مقالات المشركين ، وذكر شبهتهم في الرسالة والجواب عنها ، وتنبيههم بتماميّة الحجّة عليهم ببعث محمّد صلىاللهعليهوآله ، وقطع عذرهم بما في الكتب السماوية ، وتهديدهم بالعذاب بقوله : ﴿فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحابُ الصِّراطِ السَّوِيِّ ،﴾ أردفها بسورة الأنبياء المبدوءة بتهديد المعرضين عن التفكّر في أمر الآخرة ، وغفلتهم عن قرب القيامة ، وتوبيخهم لإعراضهم عن الذّكر والقرآن ، واستهزائهم به ، وذكر شبهتهم في رسالة الرسول بأنّه بشر ، ونسبتهم معجزاته إلى السّحر ، وطلبهم منه غير ما أتى به من المعجزات ، وسائر أقاويلهم الباطلة التي لا تليق به ، وتهديدهم بعذاب الاستئصال ، والاستدلال على التوحيد والبعث ، وذكر قصص الأنبياء الماضين والامم المهلكة السابقة بقوله : ﴿كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ﴾(١) ، إلى غير ذلك من المطالب المربوطة بالسورة السابقة.
فابتدء فيها بذكر الأسماء المباركات على حسب دأبه تعالى في كتابه المجيد بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾
ثمّ افتتحها بتهديد المشركين المعرضين عن الآخرة بقوله : ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ﴾ ودنا منهم اليوم الذي فيه ﴿حِسابُهُمْ﴾ لجزاء أعمالهم ؛ لأنّ كلّ آت قريب وإن طالت مدّة ترقّبه ، أو لأنّ كلّ ساعة أقرب إليهم منه في الساعة السابقة ، أو لأنّ بعثه من أشراط الساعة حيث قال صلىاللهعليهوآله : « بعثت أنا والساعة كهاتين » (٢) وضمّ بين إصبعيه ﴿وَهُمْ﴾ مستقرّون ﴿فِي غَفْلَةٍ﴾ تامّة منه ، ساهون بالكليّة عنه ، منكرون له ،
__________________
(١) طه : ٢٠ / ٩٩.
(٢) مجمع البيان ٧ : ٦٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٣٠ ، تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٩.