ترتيب اقتضته الحكمة ، فالمدّة المتوّهمة التي خلق فيها الأرض يوم ، والتي خلق فيها السماوات يوم وهكذا ، وإنّما خلق العالم على التدريج مع قدرته على خلقه جميعا في أقلّ من طرفة عين ، لحكم لا يعلمها إلّا هو ، منها تعليم العباد التأني في الامور ﴿ثُمَّ اسْتَوى﴾ واستولى بقدرته الكاملة وعلمه الشامل ﴿عَلَى الْعَرْشِ﴾ ونفذ تصرّفه وتدبيره في جميع الموجودات.
قيل : إنّ الاستقرار على سرير الملك ، كما هو الظاهر من الاستواء على العرش ، كناية عن قوة سلطانه ونفاذ أمره (١) ، أو رفعه على السماوات (٢) . فهذا القادر على خلق الموجودات العلوية والسّفلية المنبسطة رحمته على الممكنات هو ﴿الرَّحْمنُ﴾ فانّ الرحمانية هي الاستواء والقاهرية على جميع الممكنات ﴿فَسْئَلْ﴾ يا محمّد ﴿بِهِ﴾ شخصا ﴿خَبِيراً﴾ وعالما بكيفية خلق الموجدات والاستواء عليها.
قيل : هو الله لعدم علم غيره بها (٣) . وعن ابن عباس : هو جبرئيل (٤) . وقيل : هو العالم بالكتب السماوية ليصدقك فيه (٥) .
قيل : إنّ لفظ ( به ) متعلّق بخبير ، وإنّما قدّم تحفّظا على رؤوس آلاي وحسن النظم (٦) .
وقيل : إنّ الباء زائدة ، والمعنى فأسأله حال كونه خبيرا (٧) .
وقيل : إنّها بمعنى ( عن ) (٨) . وقيل : إنّها للتعدية لتضمّن السؤال معنى الاعتناء (٩) . وقيل : إنّها للقسم كقوله : ﴿وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ﴾(١٠) .
روي أنّ اليهود حكوا ابتداء خلق الأشياء بخلاف ما أخبر الله تعالى (١١) .
وقيل : إنّ ضمير ( به ) راجع إلى الرحمن ردّا على إنكار المشركين إطلاق اسم الرحمن على الله ، بأنّ العالم بالكتب السماويّة يعلم أنّ ما يرادف هذا الاسم اطلق على الله في الكتب (١٢) .
﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَ نَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ
نُفُوراً (٦٠)﴾
ثمّ لما توهّم المشركون من أمر النبي صلىاللهعليهوآله بالسجود للرحمن ، أمره بعبادة غير الله ، لجهلهم بان الرحمن من أسمائه تعالى ، ذمّهم سبحانه على ذلك بقوله : ﴿وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ﴾ والإله
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ٢٣٤.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠٥.
(٣و٤) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠٥.
(٥) تفسير البيضاوي ٢ : ١٤٦.
( ٦-٨ ) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠٥.
(٩) تفسير البيضاوي ٢ : ١٤٦.
(١٠) تفسير الرازي ٢٤ : ١٠٥ ، والآية من سورة النساء : ٤ / ١.
(١١) مجمع البيان ٧ : ٢٧٥ ، تفسير الصافي ٤ : ٢١.
(١٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٢٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٢٢.