المشرق والمغرب ، وهو على ما قيل خمسمائة عام (١) ، وعن الصادق : « مسيرة سنة » (٢)﴿سَمِعُوا لَها﴾ من شدّة غضبها عليهم ﴿تَغَيُّظاً﴾ وصوتا هائلا ﴿وَزَفِيراً﴾ وهمهمة ، وهي على ما قيل : صوت خارج من الجوف مع الترديد (٣) . وقيل : يعني علموا لها التغيظ ، وسمعوا لها زفيرا (٤) . وقيل : يعني سمعوا تغيّظ الخزنة (٥) .
وعن عبيد بن عمير : أنّ جهنّم لتزفر زفرة ، لا يبقى نبي مرسل ، ولا ملك مقرّب إلّا خرّ لوجهه ، ترعد فرائصهم حتى أن إبراهيم عليهالسلام ليجثو على ركبتيه ويقول : يا رب (٦) . لا أسألك إلّا نفسي (٧) .
أقول : ظاهر الآية أنّ النار في الآخرة حيّة شاعرة ، كما يدلّ عليه قوله : ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوانُ﴾(٨) .
﴿وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً * لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً
واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان حال الكفّار حين البعد من جهنّم ، بيّن حال ورودهم فيها بقوله : ﴿وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً﴾ قيل : إنّ جهنّم لتضيق على الكفار كضيق الزّج (٩) على الرّمح (١٠) .
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « أنّهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط » (١١) .
وقيل : الأسفلون يرفعهم اللهب ، والأعلون يخفظهم الداخلون فيزدحمون (١٢) ، حال كونهم ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ ومقيدين في السلاسل تقرن أيديهم إلى أعناقهم ، أو يقرن بعضهم مع بعض ، أو كلّ مع شيطانه في سلسلة ، مع ما هم عليه من العذاب الشديد والضيق ، وحينئذ ﴿دَعَوْا﴾ ونادوا تمنّيا ﴿هُنالِكَ﴾ وفي ذلك المكان الضيّق ﴿ثُبُوراً﴾ وهلاكا لأنفسهم بقولهم : يا ثبوراه ، أو يا ثبور تعال فهذا حينك وأوانك.
روي أنّ أول من يكسى يوم القيامة إبليس حلّة من النار بعضها على جانبه (١٣) فيسحبها من خلفه ، وذرّيته خلفه ، وهو يقول : واثبوراه ، وهم ينادون يا ثبورهم حتى يقفوا على النار ، فينادي : يا ثبوراه ،
__________________
(١) تفسير روح البيان ٦ : ١٩٤.
(٢) مجمع البيان ٧ : ٢٥٧ ، تفسير الصافي ٤ : ٧.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ١٩٤.
(٤و٥) تفسير الرازي ٢٤ : ٥٦.
(٦) زاد في تفسير روح البيان : يا رب.
(٧) تفسير روح البيان ٦ : ١٩٤.
(٨) العنكبوت : ٢٩ / ٦٤.
(٩) الزّج : الحديدة في اسفل الرمح.
( ١٠-١٢ ) تفسير الرازي ٢٤ : ٥٦.
(١٣) في تفسير الرازي : جانبيه ، وفي تفسير روح البيان : حاجبيه.