الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ﴾ الذي تنفعهم البصيرة وتمييز الحقّ من الباطل - وهو الدنيا - مستقرّون ﴿فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ ومصرّون على الخطأ الواضح ، ويكون عليهم حسرة ﴿وَأَنْذِرْهُمْ﴾ يا محمّد وخوّفهم من يوم القيامة الذي يكون لهم ﴿يَوْمَ الْحَسْرَةِ﴾ ووقت الندامة على الضلالة في الدنيا ، وذلك الوقت ﴿إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ وحتم عليهم العذاب ، ولم يبق لهم مجال التدارك.
عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه سئل عن قوله تعالى : ﴿إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ فقال : « حين يجاء بالموت على صورة كبش أملح ، فيذبح والفريقان ينظران ، فيزداد أهل الجنّة فرحا على فرح ، وأهل النّار غمّا على غمّ»(١) .
وعن الصادق عليهالسلام : أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « ينادي مناد من عند الله عزوجل ، وذلك بعد ما صار أهل الجنّة في الجنّة وأهل النار في النار : يا أهل الجنّة وأهل النار ، هل تعرفون الموت في صورة من الصّور ؟ فيقولون : لا ، فيؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيوقف بين الجنّة والنار ، ثمّ ينادون جميعا : أشرفوا وانظروا إلى الموت ، فيشرفون ، ثمّ يأمر الله عزوجل به فيذبح ، ثمّ قال : يا أهل الجنّة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت أبدا ، وهو قوله تعالى : ﴿وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ أي قضي على أهل الجنّة بالخلود فيها ، وقضي على أهل النّار بالخلود فيها » (٢) .
وفي رواية : « فيفرح أهل الجنّة فرحا لو كان أحد يومئذ ميّتا لماتوا فرحا ، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد ميّتا لماتوا » (٣) .
ثمّ أنّه تعالى بعد الأمر بإنذارهم من ذلك اليوم ذمّهم بقوله : ﴿وَهُمْ﴾ اليوم ﴿فِي غَفْلَةٍ﴾ من ذلك ، ومن شدّة حسراته ، وممّا يفعل بهم فيه ﴿وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ بذلك اليوم حتى يرونه ، أو لا يؤمنون بك حتى يقبلوا إنذارك.
وقيل : إنّ الجملتين حاليتين من الضمير المستتر في قوله : ﴿فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ والمعنى هم مستقرّون في ضلال ، وهم في غفلة ، وهم لا يؤمنون ، وما بين الحال وذي الحال اعتراض (٤) .
﴿إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْها وَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ * وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِبْراهِيمَ
إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا * إِذْ قالَ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا
يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئاً * يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ ما لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي
أَهْدِكَ صِراطاً سَوِيًّا (٤٠) و (٤٣)﴾
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ٢٢١ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٣٥.
(٢) تفسير القمي ٢ : ٥٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٢.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٧٩٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٢.
(٤) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٦٦ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٣٥.