|
فمن يجود على العاصين بالكرم |
ثمّ رفع رأسه نحو السماء ، وهو ينادي : « يا إلهي وسيدي ومولاي ، إن أطعتك فلك المنّة عليّ ، وإن عصيتك فبجهلي فلك الحجّة عليّ ، اللهم فبإظهار منّتك عليّ وإثبات حجّتك لديّ ارحمني واغفر لي ذنوبي ، ولا تحرمني رؤية جدّي وقرة عيني وحبيبك وصفيّك ونبيّك محمّد صلىاللهعليهوآله » ، ثمّ أنشأ يقول :
ألا أيّها المأمول في كلّ شدة |
|
إليك شكوت الضرّ فارحم شكايتي |
ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي |
|
فهب لي ذنوبي كلّها واقض حاجتي |
فزادي قليل لا أراه مبلّغي |
|
على الزاد أبكي أم لطول (٢) مسافتي |
أتيت بأعمال قباح رديّة |
|
و ما في الورى عبد (٣) جنى كجنايتي |
فكان يكرّر هذه الأبيات حتى سقط مغشيا عليه ، فدنوت منه فاذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهمالسلام ، فوضعت رأسه في حجري ، وبكيت لبكائه بكاء شديدا شفقة عليه ، فقطر من دموعي على وجهه ، فأفاق من غشيته وفتح عينيه وقال : « من الذي شغلني عن ذكر مولاي ؟ » فقلت : أنا الأصمعي يا سيدي ، ما هذا البكاء ، وما هذا الجزع ، وأنت من أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ؟ أ ليس الله يقول : ﴿إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً؟﴾! (٤)
قال : فاستوى جالسا ، وقال : « يا أصمعي هيهات ، إنّ الله خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبدا حبشيا ، وخلق النار لمن عصاه وإن كان ملكا قرشيا ، أما سمعت قول الله تعالى : ﴿فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ ﴾(٥) .
واعترض بعض الملاحدة على القرآن المجيد بوقوع التناقض بين قوله : ﴿وَلا يَتَساءَلُونَ﴾ وقوله : ﴿وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً﴾(٦) وبين قوله : ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ﴾(٧) وقوله : ﴿يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾(٨) وقد مرّ الجواب عنه في بعض الطرائف (٩) .
﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ
الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها
كالِحُونَ (١٠٢) و (١٠٤)﴾
__________________
(١) في المصدر : جرم. (٢) في المصدر : لبعد.
(٣) في المصدر : خلق.
(٤) الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ١٠٧.
(٦) المعارج : ٧٠ / ١٠.
(٧) الصافات : ٣٧ / ٢٧.
(٨) يونس : ١٠ / ٤٥.
(٩) تقدم في الطرفة (٢٦) من مقدمة المصنف.