استواء الشّباب ، وما بعده إلى أن يموت (١) .
ثمّ أثنى سبحانه على نفسه بخلق هذا المخلوق البديع بقوله : ﴿فَتَبارَكَ اللهُ﴾ وتعالى شأنه من قدرته الكاملة وحكمته البالغة وهو ﴿أَحْسَنُ الْخالِقِينَ﴾ خلقا ، وأكمل المقدّرين تقديرا ؛ لأنّه خلق أحسن المخلوقين ، حيث إنّه مع صغر جرمه انطوى فيه العالم الكبير ، وفيه دلالة على أنّ الإنسان مركّب من الرّوح والجسد ، وأنّ في الموجودات خالقين.
عن الرضا عليهالسلام أنّه سئل : أو غير الخالق الجليل خالق ؟ قال : « إنّ الله تبارك وتعالى قال : ﴿فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ﴾ فقد أخبر أنّ في عباده خالقين ، منهم عيسى بن مريم ، خلق من الطّين كهيئة الطّير بإذن الله ، وخلق السّامريّ لهم عجلا جسدا له خوار » (٢) .
﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ﴾ يا بني آدم ﴿بَعْدَ ذلِكَ﴾ المذكور من أطوار الخلق والتّعيّش إلى الأجل المسمّى والله ﴿لَمَيِّتُونَ﴾ بقدرته ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ﴾ بعد انقضاء الدّنيا ﴿يَوْمَ الْقِيامَةِ﴾ وعند النّفخة الثّانية تحيون ثانيا بقدرته الكاملة كما حييتم أوّلا ، و﴿تُبْعَثُونَ﴾ وتخرجون من قبوركم للحساب والمجازاة على الأعمال.
﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ * وَأَنْزَلْنا مِنَ
السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ * فَأَنْشَأْنا
لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ *
وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (١٧) و (٢٠)﴾
ثمّ لمّا كانت الإعادة منوطة بكمال القدرة والعلم ، بالغ سبحانه في إثباتهما لنفسه بقوله : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ﴾ وطبقات من السّماوات كالسّقف المحفوظ ، سمّيت طبقاتها طرائق لطروق بعضها على بعض ، فإنّ كلّ ما فوق مثله طريقه ، أو لأنّها طرق الملائكة والكواكب ومسيرها ﴿وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ﴾ والنّاس ، أو عن السّماوات ، أو عن الموجودات ﴿غافِلِينَ﴾ وذاهلين حتى نهمل أمرها وتدبيرها ، بل نحفظها عن الزّوال والاختلال إلى الأجل المقدّر بمقتضى الحكمة ، ونعلم خيرها وشرّها وجميع ما تحتاج إليه في بقائها.
ثمّ بيّن سبحانه خلق ما يحتاج إليه الإنسان في بقائه بقوله : ﴿وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ﴾ بنحو الأمطار ﴿ماءً﴾ نافعا ﴿بِقَدَرٍ﴾ وحدّ فيه صلاح الأشياء من الحيوانات والنّباتات ﴿فَأَسْكَنَّاهُ﴾ ومكّناه ﴿فِي
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ٨٥.
(٢) التوحيد : ٦٣ / ١٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٩٦.