وقيل : إنّ الأول لأعمالهم ، والثاني لعقائدهم ، كما قال تعالى : ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ﴾(١) واستدل عليه بقوله : ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً﴾ وإيمانا وهداية ﴿فَما لَهُ﴾ شيء ﴿مِنْ نُورٍ﴾ وهداية إلى خير أصلا.
وقيل : إن المثل لمجموع عقائدهم وأعمالهم ، والمراد من الظلمات ظلمة الاعتقاد وظلمة القول وظلمة العمل (٢) .
وعن ابي بن كعب : الكافر يتقلّب في خمس من الظّلم : ظلمة كلامه ، وظلمة عمله ، وظلمه مدخله ، وظلمة مخرجه ، وظلمة مصيره إلى النار (٣) .
وقيل : إنّه مثل للكافر نفسه (٤) .
عن ابن عباس : شبّه قلبه وبصره وسمعه بهذه الظلمات الثلاث (٥) .
وقيل : قلبه مظلم وصدره مظلم ، وجسده مظلم (٦) .
وقيل : إنّ الكافر في ظلمات ثلاث ، حيث إنّه لا يدري ، [ ولا يدري ] أنّه لا يدري ، ويعتقد أنّه يدري (٧) .
﴿أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ
عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ * وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ (٤٢)﴾
ثمّ لمّا بيّن الله سبحانه حال رجال مهتدين بنوره ، مستغرقين في أنوار توحيده ومعارفه ، ومتوجّهين إلى ذكره وتسبيحه والقيام إلى الصلاة له ، بخلاف المشركين المنغمرين في الظلمات ، بيّن أنّ لكلّ موجود معرفة بتوحيد خالقه وذكرا وتسبيحا (٨) وصلاة له تعالى على حسبه بقوله : ﴿أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ﴾ وينزّهه في ذاته وصفاته وأفعاله ممّا لا يليق به من النقص والخلل ﴿مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ﴾ وما فيهما (٩) من العقلاء وغيرهم تنزيها معنويا بلسان الحال ، وهو إمكانه وتكوينه وتغييره ، أو تعبير مناسب بحيث تفهمه العقول السليمة ، وذكر ( من ) في الآية لتغليب العقلاء ﴿وَ﴾ تسبّح ﴿الطَّيْرُ﴾ بأنواعها حال كونها ﴿صَافَّاتٍ﴾ بأجنحتها ، باسطات لها في الهواء ، متمكّنات من الوقوف والحركة في الجوّ كيف تشاء ، مع اقتضاء ثقل جسمها السقوط وإنّما أفردها بالذّكر مع كونها داخلة (١٠)
__________________
(١) البقرة : ٢ / ٢٥٧.
(٢-٥) تفسير الرازي ٢٤ : ٨.
(٦) تفسير الرازي ٢٤ : ٩.
(٧) تفسير الرازي ٢٤ : ٨.
(٨) في النسخة : وذكر وتسبيح.
(٩) في النسخة : وما فيها.
(١٠) في النسخة : داخلا.