الناصب في تفسيره قبل هذه الآية قال : قال بعض اليهود لعلي عليهالسلام : ما دفنتم نبيّكم حتى اختلفتم ، فقال عليهالسلام : « إنّما اختلفنا عنه ، وما اختلفنا فيه ، وأنتم ما جفّت أقدامكم من ماء البحر حتى قلتم لنبيّكم : ﴿اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ﴾(١) .
فإنّ معنى اختلفنا عنه الاختلاف في الرواية عنه ، ولم تكن الرواية المختلف فيها في ذلك الوقت إلّا الرواية الناصّة على الخلافة ، ولم يكن أحد يدّعى النصّ على خلافته إلّا عليّ عليهالسلام والخلّصون من المؤمنين ، ولم يخالفهم في ذلك إلّا سامريّ هذه الامّة والمفتتنون بالعجل.
﴿قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنا مُوسى * قالَ يا هارُونُ ما مَنَعَكَ
إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَ فَعَصَيْتَ أَمْرِي * قالَ يَا بْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي
وَلا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ
قَوْلِي (٩١) و (٩٤)﴾
ثمّ بيّن سبحانه عتوّ بني إسرائيل وعدم قبولهم النّصح بقوله : ﴿قالُوا﴾ في جواب هارون بعد إبلاغه في نصحهم تعلّلا وتسويفا لترك عبادة العجل : ﴿لَنْ نَبْرَحَ﴾ على القول بالوهيّة العجل ، ولا نزال أبدا ﴿عَلَيْهِ عاكِفِينَ﴾ ومقيمين وبعبادته ملتزمين ﴿حَتَّى يَرْجِعَ﴾ من الطّور ﴿إِلَيْنا مُوسى﴾ فإذا رجع نطيع أمره ، فإن أمرنا بعبادته ووافقنا عليها نستمرّ عليها ، ولا نقبل قولك ، وإن نهانا عنها نتركها.
روي أنّهم لمّا قالوه اعتزلهم هارون في اثني عشر ألفا من الّذين لم يعبدوا العجل ، فلمّا رجع موسى سمع الصيّاح وكانوا يرقصون حول العجل ، فقال عليهالسلام للسّبعين الذين كانوا معه : هذا صوت الفتنة ، فلمّا جاءهم قال لهم ما قال ، وسمع منهم ما سمع (٢) .
ثمّ توجّه إلى هارون مغضبا و﴿قالَ﴾ له مغتاظا : ﴿يا هارُونُ ما مَنَعَكَ﴾ وأيّ عذر لك ﴿إِذْ رَأَيْتَهُمْ﴾ أنّهم ﴿ضَلُّوا﴾ وانحرفوا عن طريق التوحيد إلى الشرك ، وعن طاعتك إلى مكابرتك وعصيانك ﴿أَلَّا تَتَّبِعَنِ﴾ في الغضب لله عليهم ، وفي قتالهم على إشراكهم ؟ !
وقيل « لا » مزيدة ، والمعنى ما منعك من أن تتّبعني في ما ذكر ، أو من أن تلحقني وتخبرني بما صنع القوم ، وتترك المقام بين أظهرهم ، كما عن ابن عبّاس (٣) .
وقيل : يعني ما منعك من أن تتّبعني في وصيّتي إذ قلت لك : ﴿اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١٠٥ ، والآية من سورة الأعراف : ٧ / ١٣٨.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٤١٨.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ١٠٨.