وقيل : يعني لتجزي كلّ نفس بسعيها في الامور ألمأمور بها (١) .
﴿فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْها﴾ ولا يمنعك عن تذكّرها والتهيئة لها ، أو لا يمنعك عن الصلاة ﴿مَنْ لا يُؤْمِنُ بِها وَاتَّبَعَ هَواهُ﴾ وسعى في موافقة ميل نفسه ﴿فَتَرْدى﴾ وتهلك ، إذن فإنّ الغفلة عن تحصيل ما ينجى من أهوال الساعة ، أو عن الصلاة والقيام بوظيفة العبوديّة ، موجبة للهلاك في الآخرة.
وقيل : إنّ المخاطب من قوله : ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ إلى هنا هو خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله (٢) .
﴿وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى * قالَ هِيَ عَصايَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها وَأَهُشُّ بِها عَلى
غَنَمِي وَلِيَ فِيها مَآرِبُ أُخْرى * قالَ أَلْقِها يا مُوسى * فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ
تَسْعى * قالَ خُذْها وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى (١٧) و (٢١)﴾
ثمّ قيل : إنّ المهابة لمّا عظمت في قلب موسى عليهالسلام ، أراد سبحانه استئناسه (٣) بقوله : ﴿وَما تِلْكَ﴾ مأخوذة ﴿بِيَمِينِكَ﴾ ويدك ، وفي السؤال تنبيه له على ما سيبدو له من التعاجيب (٤) .
ثمّ كرّر الخطاب بقوله : ﴿يا مُوسى﴾ ازديادا للتأنيس وإظهارا لغاية اللطف ﴿قالَ﴾ موسى : يا ربّ ﴿هِيَ عَصايَ﴾ وفائدتها إنّي ﴿أَتَوَكَّؤُا﴾ وأعتمد ﴿عَلَيْها﴾ وعند الإعياء ، أو حين الوقوف على رأس القطيع ﴿وَأَهُشُ﴾ وأسقط ﴿بِها﴾ الورق من الأشجار ﴿عَلى غَنَمِي﴾ لتأكل منه.
القميّ : ثمّ من الفرق لم يستطع الكلام فجمع كلامه (٥) وقال : ﴿وَلِيَ فِيها مَآرِبُ﴾ وحوائج ومنافع ﴿أُخْرى﴾ غير ذلك.
وقيل : إنّه عليهالسلام أجمل في الجواب رجاء أن يسأله ربّه عن تلك المآرب فيسمع كلام الله مرّة اخرى(٦) .
وقيل : إنّه قال موسى عليهالسلام : إلهي ما هذه العصا إلّا كغيرها لكنّك لمّا سألت عنها عرفت أنّ لي فيها مآرب اخرى منها : أنّك كلّمتني بسببها (٧) .
روي أنّه كان إذا سار وضعها على عاتقه فعلّق بها أدواته ، وإذا أقام في البريّة ركزها وعرض الزّندين على شعبتيها فاشتعلتا ، وألقى عليها كساءه واستظلّ به ، وإذا تعرّضت السباع لغنمه قاتلها بها (٨) .
قيل : إنّه فهم من السؤال بيان حقيقتها وتفصيل منافعها ، حتى إذا ظهرت على خلاف تلك الحقيقة ،
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ٨.
(٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٨.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٣٧٤.
(٤) أي العجائب ، وفي النسخة : التعاجب.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٦٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٤.
(٦ و٧) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٧.
(٨) تفسير أبي السعود ٦ : ١٠.