واستجماعها لأنواع الأقوات والفواكة الفائقة ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها﴾ وثمرها المترقّب منها في جميع الأوقات ﴿وَلَمْ تَظْلِمْ﴾ ولم تنقص ﴿مِنْهُ شَيْئاً﴾ ولو يسيرا ، مع أنّ المعهود من سائر البساتين إتمام الثمر في عام وتنقيصه في عام ﴿وَفَجَّرْنا﴾ وشققنا ، أو أجرينا فيما بين كلّ من الجنّتين و﴿خِلالَهُما نَهَراً﴾ على حدة ، ليدوم شربهما ويكثر بهاؤهما.
قيل : إنّما قدّم إيتاء الأكل على تفجير النهر للدّلالة على استقلال كلّ منهما في حسن الجنّتين ، وللدّلالة على أنّ إتيان الأكل لم يكن متوقّفا على السقي ، كقوله ﴿يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ﴾(١) .
﴿وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقالَ لِصاحِبِهِ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً وَأَعَزُّ نَفَراً * وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً * وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ
قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً * قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ
يُحاوِرُهُ أَ كَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً * لكِنَّا
هُوَ اللهُ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً (٣٤) و (٣٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد توصيف الجنّتين ذكر حال الكافر بقوله : ﴿وَكانَ لَهُ ثَمَرٌ﴾ ومال كثير غير الجنّتين ، من الذّهب والفضّة ، أو فواكه اخر غير العنب والرّطب.
عن تفسير الجلالين : أنّ الرّجلين كانا ابني ملك في بني إسرائيل ، اسم أحدهما يهودا وكان مؤمنا ، واسم الآخر قطروس وكان كافرا ، مات أبوهما فورثا منه ثمانية آلاف دينارا ، فتقاسماها بينهما ، فاشترى الكافر أرضا بألف دينار وبنى دارا بألف دينار ، وتزوّج امرأة بألف دينار ، واشترى خدما ومتاعا بألف دينار ، فقال المؤمن : اللهم إنّ أخي اشترى أرضا بألف دينار ، وأنا اشتري منك أرضا في الجنّة ، فتصدّق بألف دينار ، وإنّ أخي بنى دارا بألف دينار ، وأنا أشترى منك دارا في الجنّة فتصدّق به ، وإنّ أخي تزوّج امرأة بألف دينار وأنا أجعل ألفا صداقا للحور ، فتصدّق به ، وإنّ أخي اشترى خدما ومتاعا بألف دينار ، وأنا أشتري منك ولدانا مخلّدين بألف ، فتصدّق به. ثمّ أصابته الحاجة ، فجلس لأخيه على طريقه ، فمرّ به أخوه في حشمه ، فقام إليه فنظر أخوه إليه وقال : ما شأنك ؟ فقال : أصابتني حاجة ، فأتيت لتصيبني بخير. فقال : وما فعلت بمالك وقد اقتسمنا مالا وأخذت شطره ؟ فقصّ عليه
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٢١ ، والآية من سورة النور : ٢٤ / ٣٥.