وعن أمير المؤمنين عليهالسلام في تفسير اتّباع الشهوات : « من بنى المشد ، وركب المنظور ، ولبس المشهور » (١)﴿فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ﴾ في القيامة ﴿غَيًّا﴾ وشرّا.
وقيل : إنّ غيّا اسم واد في جهنم يستعيذ من حرّه أوديتها ، أعدّ للزاني ، وشارب الخمر ، وآكل الربا ، وشاهد الزّور ، ولأهل العقوق ، وتارك الصلاة (٢) .
﴿إِلَّا مَنْ تابَ﴾ من الشّرك والمعاصي إلى الله ﴿وَآمَنَ﴾ بما يجب الإيمان به ﴿وَعَمِلَ صالِحاً﴾ بعد التوبة والإيمان ﴿فَأُولئِكَ﴾ التّائبون المؤمنون الصّالحون ﴿يَدْخُلُونَ﴾ في الآخرة ﴿الْجَنَّةَ﴾ الموعودة ﴿وَلا يُظْلَمُونَ﴾ ولا ينقصون من جزاء إيمانهم وأعمالهم ﴿شَيْئاً﴾ وقليلا ، وفي إطلاق الظّلم على تنقيص الجزاء دلالة على أنّه بالاستحقاق.
﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا * لا
يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاَّ سَلاماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا * تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي
نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا (٦١) و (٦٣)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّ الجنّة لا تكون واحدة موقّتة بقوله : ﴿جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ وبساتين دائمة لا خروج منها ، وقد سبق القول بأنّ عدن اسم تلك الجنّات ﴿الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ﴾ بها وهي ﴿بِالْغَيْبِ﴾ عنهم لم يروها في الدنيا ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿كانَ﴾ ما تعلّق ﴿وَعْدُهُ﴾ به ﴿مَأْتِيًّا﴾ وجائيا لا يمكن الخلف فيه ، ومن صفات الجنّات أنّ المؤمنين ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً﴾ وكلاما باطلا لا فائدة فيه ﴿إِلَّا سَلاماً﴾ قيل : يعني لكن يسمعون تسليم الملائكة ، أو تسليم بعضهم على بعض (٣)﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ﴾ وغذاؤهم ﴿فِيها بُكْرَةً﴾ وأوّل النّهار ﴿وَعَشِيًّا﴾ وآخره.
قيل : إنّ البكرة والعشّي كناية عن الدوام ، أو المراد مقدار البكرة والعشيّ ، إذ لا ليل فيها ولا صباح ، بل هم في النّور أبدا ، وإنّما وصف الجنّة بذلك لأنّ العرب لا تعرف من العيش أفضل من الرزق في الوقتين (٤) .
ثمّ بيّن عظمة شأن الجنّة بقوله : ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ﴾ الموصوفة بالصفات الفائقة ﴿الَّتِي نُورِثُ﴾ ونملّك بعضا ﴿مِنْ عِبادِنا﴾ وهو ﴿مَنْ كانَ﴾ في الدّنيا ﴿تَقِيًّا﴾ ومحترزا من الشّرك والعقائد الفاسدة والأعمال السيئة ، فالتقوى سبب لصيرورة المتّقي مالكا للجنّة ، كما أنّ موت المورّث سبب لصيرورة
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٣٤٤.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٣٤٥.
(٣) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٧٣ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٤٥.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٣٤٥.