﴿إِنَّما إِلهُكُمُ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً * كَذلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ
أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ
الْقِيامَةِ وِزْراً * خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً (٩٨) و (١٠١)﴾
ثمّ عرّفهم إلههم بقوله : ﴿إِنَّما إِلهُكُمُ﴾ المستحقّ للعبادة والتّعظيم ﴿اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ﴾ بدليل أنّه ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً﴾ وأحاط بكلّ شيء خبرا ، يعلم عابده وعبادته ، ومطيعه ومقدار استحقاقه من الثّواب ، وعاصيه ومقدار استحقاقه من العقاب.
ثمّ لمّا بيّن سبحانه قصّة موسى عليهالسلام وفرعون وهارون والسامري ، بيّن عظمة شأن النبيّ وكتابه وأنّ جميعه بوحي الله بقوله : ﴿كَذلِكَ﴾ الحديث الذي قصصناه ، أو كذلك القصّ البديع ﴿نَقُصُ﴾ ونتلو ﴿عَلَيْكَ﴾ يا محمّد بالوحي وبتوسّط جبرئيل بعضا ﴿مِنْ أَنْباءِ ما قَدْ سَبَقَ﴾ والحوادث الواقعة على الامم السالفة ﴿وَقَدْ آتَيْناكَ﴾ وأنزلنا إليك ﴿مِنْ لَدُنَّا﴾ كتابا عظيم الشأن يكون ﴿ذِكْراً﴾ للعالمين ورشادا إلى مهامّ الدنيا والدين ، وتذكرة لنعم الله ، وموعظة للمتّقين ، أو يكون سببا لبقاء ذكرك إلى يوم الدين.
ثمّ هدّد سبحانه المعرضين عنه بقوله : ﴿مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ ولم يؤمن به ، ولم يهتد بهداه ، ولم يتّعظ بمواعظه ، ولم يعمل بأحكامه ﴿فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً﴾ وعقابا ثقيلا حال كون المعرضين ﴿خالِدِينَ﴾ في العقاب وماكثين ﴿فِيهِ﴾ أبدا ﴿وَساءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً﴾ وزرهم ، وقيل : يعني ما أسوء هذا الوزر محمولا (١) ! قيل : إعادة ذكر يوم القيامة لزيادة التقرير والتهويل (٢) .
﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً * يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ
لَبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْراً * نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاَّ
يَوْماً (١٠٢) و (١٠٤)﴾
ثمّ ذكر سبحانه بعض أهوال القيامة بقوله : ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ قيل : إنّ التقدير أذكر يا محمّد لقومك يوم ينفخ إسرافيل في الصّور (٣)﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ﴾ والعصاة المتوغّلين في العصيان ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ من قبورهم ﴿زُرْقاً﴾ وعميا.
وقيل : إنّ الزرقة أسوء ألوان العين وأبغضها عند العرب (٤) . وروي أنّ الزرقة وسواد الوجه سيماء
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٢ : ١١٤.
(٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٤١ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٢٤.
(٣) تفسير روح البيان ٥ : ٤٢٥.
(٤) تفسير الصافي ٣ : ٣١٩ ، تفسير روح البيان ٥ : ٤٢٥.