تقتضيه الحكمة ﴿وَ﴾ له ﴿مِنَ الشَّياطِينِ﴾ وكفرة الجنّ ﴿مَنْ يَغُوصُونَ﴾ ويدخلون ﴿لَهُ﴾ في البحار ويستخرجون له من نفائسها ﴿وَيَعْمَلُونَ﴾ له بأمره ﴿عَمَلاً دُونَ ذلِكَ﴾ وصنعة غير ما ذكر من بناء المدن والقصور والمحاريب وتماثيل ومخترعات الصنائع الغريبة ﴿وَكُنَّا لَهُمْ حافِظِينَ﴾ من إفساد ما عملوا.
قيل : كان دأبهم أن يعملوا بالنّهار ويفسدوا باللّيل ، أو من أن يزيغوا عن أمره (١) ، وأن يتمرّدوا عليه.
وقيل : إنّ حفظ كفرة الجنّ من التمرّد والإفساد ، بإلقاء الخوف الشّديد من سليمان ، والحبّ المفرط لطاعته في قلوبهم ، أو بتوكّل جمع من الملائكة ، أو جمع من مؤمني الجنّ عليهم (٢) ، وكان ذلك من معجزاته المختصّة به ، وأمّا مؤمنو الجنّ فلم يكونوا محتاجين إلى الحفظ لأنّهم بإيمانهم له كانوا مطيعين له ، منقادين لأوامره ونواهيه.
﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٨٣)﴾
ثمّ ذكر الله سبحانه نعمته على أيّوب بقوله : ﴿وَأَيُّوبَ﴾ والتقدير اذكر أمر أيّوب ﴿إِذْ نادى﴾ ودعا ﴿رَبَّهُ﴾ وقال : ربّ ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ﴾ وأصابني الضّرّ والبلاء العظيم ، ارحمني ﴿وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.﴾
روي عن وهب بن منبّه : أنّ أيّوب عليهالسلام كان رجلا من الروم ، وهو ابن أنوص ، من ولد عيص (٣) بن إسحاق ، وكانت امّه من ولد لوط ، وكان الله [ قد ] اصطفاه وجعله نبيّا ، وكان مع ذلك [ قد ] أعطاه من الدّنيا حظّا وافرا من النّعم والدوابّ والبساتين ، وكان له خمسمائة زوج من البقر للزّرع ، وخمسمائة مملوك ، كلّ واحد موكّل على زوج منها ، وكان له أربعمائة مملوك ، كلّ منهم راعي قطيع من الغنم ، وكان له أهل وولد من رجال ونساء ، وكان رحيما بالمساكين ، وكان يكفل الأيتام والأرامل ، ويكرم الضّيف ، وكان معه ثلاثة نفر آمنوا به وعرفوا فضله.
وإنّ لجبرئيل بين يدي الله تعالى مقاما ليس لأحد من الملائكة مثله في القرب والمنزلة ، وهو الذي يتلقّى الكلام ، فإذا ذكر الله عبدا بخير تلقّاه جبرئيل ، ثمّ تلقّاه ميكائيل ، ثمّ من حوله من الملائكة المقرّبين ، فإذا شاع ذلك فيهم يصلّون عليه ، ثمّ صلّت ملائكة السماوات ثمّ ملائكة الأرض.
وكان إبليس لم يحجب عن شيء من السماوات والأرض ، وكان يقف فيهنّ حيثما أراد ، ومن هناك
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ٨١.
(٢) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٠٢.
(٣) في النسخة : عيصوا.