وارثه مالكا لما تركه.
﴿وَما نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا وَما بَيْنَ ذلِكَ وَما كانَ رَبُّكَ
نَسِيًّا * رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ
لَهُ سَمِيًّا (٦٤) و (٦٥)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان المطالب العالية والأخبار الغيبيّة ، بيّن أنّ جميعها كلامه المنزل على نبيّه صلىاللهعليهوآله بتوسط الملائكة بحكاية اعتذار الملك من تأخير نزوله على نبيه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿وَما نَتَنَزَّلُ﴾ عليك يا محمّد ﴿إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ﴾ وإذنه.
قيل : إنّ المعنى قال الله لجبرئيل : قل لمحمّد ما نتنزّل وقتا من الأوقات إلّا بأمر الله على ما تقتضيه حكمته (١) ، وليس لنا استقلال في أمر من الامور ، لأنّنا تحت قدرته وسلطانه حيث إنّ ﴿لَهُ﴾ تعالى ﴿ما بَيْنَ أَيْدِينا﴾ وكلّ شيء يكون قدّامنا ﴿وَما خَلْفَنا﴾ ووراءنا ﴿وَما بَيْنَ ذلِكَ﴾ المذكور من الجهتين ، فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة ومن مكان إلى مكان إلّا بإذنه وإرادته.
وقيل : إنّ المراد من ﴿ما بَيْنَ أَيْدِينا﴾ ما قبل وجودهم ، ومن ﴿ما خَلْفَنا﴾ ما بعد فنائهم (٢) ، ﴿وَ﴾ من ﴿ما بَيْنَ ذلِكَ﴾ زمان وجودهم وبقائهم.
وقيل : إنّ المعنى ما مضى من أعمارنا وما بقي منها وما نحن فيه (٣) .
وقيل : يعني له تعالى الأرض التي بين أيدينا ، والسماء التي وراءنا وما بين السماء والأرض (٤) .
وعلى أي تقدير المقصود أنّ الله محيط بنا وبكلّ شيء بحيث لا تخفى عليه خافية ﴿وَما كانَ رَبُّكَ﴾ حين عدم إذنه لنا بالنّزول إليك ﴿نَسِيًّا﴾ وتاركا لك ، أو غافلا عنك.
قيل : إنّه أبطأ جبرئيل على رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال صلىاللهعليهوآله له : ما حبسك يا جبرئيل ؟ فنزلت(٥).
وقيل : إنّه أبطأ عليه لتركه الاستثناء في الوعد بجواب اليهود عن المسائل الثلاث التي مرّ ذكرها في سورة الكهف (٦) ، فقال له النبيّ صلىاللهعليهوآله : « أبطأت عليّ حتى ساء ظنّي ، واشتقت إليك » فقال جبرئيل : إنّي كنت أشوق ، ولكنّي عبد مأمور ، إذا بعثت نزلت ، وإذا حبست احتبست (٧) . فأنزل الله هذه ، فعلى هذا يكون ذلك من وجوه النّظم.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٥ : ٢٧٣ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٤٧.
(٢-٤) تفسير الرازي ٢١ : ٢٣٩.
(٥) تفسير روح البيان ٥ : ٣٤٦.
(٦) في تفسير الآية (٩) من سورة الكهف.
(٧) تفسير الرازي ٢١ : ٢٣٨ ، تفسير روح البيان ٥ : ٣٤٧.