﴿كُلُوا﴾ أيّها الناس منها ومن ثمارها ﴿وَارْعَوْا﴾ فيها ﴿أَنْعامَكُمْ﴾ فإنّها مباحة لكم مخلوقات لانتفاعكم ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ الإنبات وجعل الاختلافات الكثيرة فيها مع وحدة الأرض والماء والهواء ، أو في تلك (١) النّعم الجسيمة والموجودات البديعة والله ﴿لَآياتٍ﴾ عظيمة وبراهين واضحة على وجود الصانع القادر الحكيم ﴿لِأُولِي النُّهى﴾ وذوي العقول السليمة الرادعة عن القبائح.
وقيل : إنّ كلام موسى عليهالسلام قد انقطع عند قوله : ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً﴾ ثمّ أخبر سبحانه عن صفة نفسه (٢) .
وقيل : إنّ المراد من ضمير المتكلّم في ( أخرجنا ) موسى عليهالسلام وغيره من الناس ، والمعنى فأخرجنا معاشر العباد بذلك الماء المنزل وبالحراثة أزواجا (٣) .
والحقّ هو الوجه الذي فسّرنا ، لعدم مناسبة الوجه الآخر لقوله : ﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ﴾ والوجه الأوّل أيضا غير صحيح لدلالة ( الفاء ) في قوله ﴿فَأَخْرَجْنا﴾ على ارتباطه بالسابق. نعم يمكن أن يقال إنّ كلام موسى قد تمّ عند قوله : ﴿لا يَنْسى .﴾
عن الباقر عليهالسلام : قال : « قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : إنّ خياركم اولو النّهى. قيل : يا رسول الله ، من اولوا النهي ؟ قال : هم أولوا الأخلاق الحسنة ، والأحلام الرّزينة ، وصلة الأرحام ، والبررة بالامّهات والآباء ، والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى ، ويطعمون الطّعام ، ويفشون السّلام في العالم ، ويصلّون والناس نيام غافلون » (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال : « نحن والله أولوا النّهى » (٥) .
﴿مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى * وَلَقَدْ أَرَيْناهُ آياتِنا
كُلَّها فَكَذَّبَ وَأَبى * قالَ أَ جِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى (٥٥) و (٥٧)﴾
ثمّ لمّا كان فرعون في غاية التكبّر والتجبّر حتى ادّعى الربوبيّة ، بين مبتدئه ومنتهاه ، إظهارا لغاية ذلّته بقوله : ﴿مِنْها خَلَقْناكُمْ﴾ بخلق آدم الذّي هو أبو البشر من تراب ، أو بخلق الأغذية التي تتولّد النّطف منها من الأرض ﴿وَفِيها﴾ بعد الموت ﴿نُعِيدُكُمْ﴾ بالدّفن والإقبار ﴿وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ﴾ بالخلق والإحياء ﴿تارَةً أُخْرى﴾ ومرّة ثانية بعد خلقكم في هذا العالم ، ونبعثكم إلى المحشر للحساب وجزاء الأعمال.
__________________
(١) في النسخة : ذلك.
(٢ و٣) تفسير الرازي ٢٢ : ٦٨.
(٤) الكافي ٢ : ١٨٨ / ٣٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣١٠.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٦١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣١٠.