لم ير فيه مكروها » . وروي أنّها دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهمّ (١) .
ثمّ أنّ المؤمن بعد إنكاره على الكفر ولومه على كفرانه النعمة ، أجابه عن فخره عليه بالمال والنّفر بقوله : ﴿إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً﴾ الآن ، فلا تغترّ بحسن حالك وكثرة مالك ولا تشمت (٢) بسوء حالي وشدّة فقري ﴿فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ﴾ ويعطيني في الدنيا أو في الآخرة جنّة ﴿خَيْراً﴾ وأفضل ﴿مِنْ جَنَّتِكَ﴾ التي تفتخر بها ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْها﴾ عقوبة على كفرك وكفرانك ﴿حُسْباناً﴾ وعذابا ﴿مِنَ السَّماءِ﴾ من برد أو صاعقة ﴿فَتُصْبِحَ﴾ وتصير جنّتك بذلك البلاء ﴿صَعِيداً زَلَقاً﴾ وأرضا لا نبات فيها ﴿أَوْ يُصْبِحَ﴾ ويصير ﴿ماؤُها﴾ الذي يجري فيها ﴿غَوْراً﴾ وذاهبا في الأرض بحيث لا تناله الأيدي والدلاء ، بل لا يبقى منه أثر ﴿فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً﴾ بوجه من الوجوه فضلا عن وجدانه وردّه.
﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها
وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً * وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ
وَما كانَ مُنْتَصِراً * هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَواباً وَخَيْرٌ عُقْباً (٤٢) * (٤٤)﴾
ثمّ أخبر سبحانه بوقوع بعض ما توقّعه المؤمن في أموال الكافر بقوله : ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ وأهلك أمواله بأن أرسل الله عليها النار فأهلكتها وغار ماؤها كما عن ( المجمع ) (٣)﴿فَأَصْبَحَ﴾ الكافر وصار ﴿يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ﴾ ظهرا لبطن تأسّفا وتحسّرا ﴿عَلى ما أَنْفَقَ﴾ وصرف ﴿فِيها﴾ وفي تعميرها من الأموال حيث رأى الجنّة ﴿وَهِيَ خاوِيَةٌ﴾ وساقطة ﴿عَلى عُرُوشِها﴾ ودعائمها المصنوعة لكرومها ، لمّا رأى الكافر صدق أخيه فيما هدّده على شركه وغروره ، وكان يتمنّى التوحيد ﴿وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً﴾ ولم ينفعه النّدم والتمنّي.
ثمّ لمّا كان كثرة أعوانه بسبب كثرة ماله ، تفرّق عنه أعوانه وخدمه ﴿وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ﴾ وجماعة ﴿يَنْصُرُونَهُ﴾ بدفع الهلاك عن ماله ، أو إعطائه مثله ﴿مِنْ دُونِ اللهِ﴾ لأنّه القادر على نصره ، وهو لم ينصره لاستحقاقه العذاب والخذلان ﴿وَما كانَ﴾ بنفسه ﴿مُنْتَصِراً﴾ ومدافعا عن ماله بقدرته وقوّته.
ثمّ لمّا بيّن سبحانه نصرته للمؤمن على أخيه الكافر المفتخر عليه ، بيّن أنّ دأبه تعالى كذلك في كلّ مورد يكون الكافر بصدد إذلال المؤمن بقوله : ﴿هُنالِكَ﴾ وفي ذلك الوقت الذي يكون الكافر بصدد
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٢٤٧.
(٢) في النسخة : ولا تشمتني.
(٣) مجمع البيان ٦ : ٧٢٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٤٣.