« ومن أنكر واحدا منهم فقد أنكرني ، بهم يمسك الله السّماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه ، وبهم يحفظ [ الله ] الأرض أن تميد بأهلها » (١) .
﴿وَهُوَ﴾ الإله القادر ﴿الَّذِي أَحْياكُمْ﴾ بعد ما كنتم ترابا ونطفا بلا حياة ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ بعد انقضاء آجالكم المقدّرة ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ في القبور للبعث والنّشور.
قيل : إنّما ذكر هذان الإحياءان (٢) للدّلالة على أنّ سائر النّعم لذلك (٣) .
ثمّ نبّه سبحانه على غاية جهل النّاس بقول : ﴿إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ﴾ لنعم منعمه حيث إنّه مستغرق في نعم الله ويعبد غيره.
﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ
لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ * وَإِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (٦٧) و (٦٨)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد ذكر النّعم الدّنيويّة ذكر نعمته الدّينيّة بقوله : ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ وأهل عصر ﴿جَعَلْنا﴾ وشرعنا ﴿مَنْسَكاً﴾ وشرعا ومذهبا خاصّا بهم ﴿هُمْ﴾ بالخصوص ﴿ناسِكُوهُ﴾ وآخذوه ، لا يجوز لهم التّعدّي إلى منسك غيرهم ، والعمل بشريعة امّة اخرى ، فإذا كانت أحكامه تعالى مختلفة باختلاف الأمم ﴿فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ﴾ ولا يجادلنّك في أحكام الدّين ، بل عليهم اتّباعك والعمل بشريعتك ﴿وَادْعُ﴾ جميع النّاس ﴿إِلى﴾ توحيد ﴿رَبِّكَ﴾ ودينه وعبادته ﴿إِنَّكَ﴾ والله ﴿لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ﴾ وطريق موصل إلى كلّ خير ، وهو دين الإسلام ﴿وَإِنْ جادَلُوكَ﴾ في الحقّ الذي أنت عليه ، وعدلوا عن طريق الإنصاف إلى طريق اللّجاج والمراء ، فلا تجادلهم أنت بعد وضوح الحقّ ودلالة البراهين القاطعة على صحّة دينك ﴿فَقُلِ﴾ إعراضا عنهم ورفقا بهم ﴿اللهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ﴾ وترتكبون من المجادلة الباطلة وغيرها من السّيّئات ، فيجازيكم عليها أسوء الجزاء.
﴿اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ * أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ
ما فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٦٩) و (٧٠)﴾
ثمّ أخبر سبحانه نتيجة علمه بأعمالهم بقوله : ﴿اللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ من أمر الدّين بإثابة المحقّ وتعذيب المبطل.
__________________
(١) كمال الدين : ٢٥٩ / ٣ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٨٩.
(٢) في النسخة : هذه الإحياء.
(٣) تفسير الرازي ٢٣ : ٦٣.