إذا لم تنبت ، وفساد الناس في ذلك (١) .
﴿بَلْ أَتَيْناهُمْ﴾ وأنعمنا عليهم ﴿بِذِكْرِهِمْ﴾ والقرآن الذي فيه شرفهم وفخرهم وصيتهم ، أو وعظهم ونصحهم ، وما فيه صلاحهم. وقيل : هو الذكر الذي كانوا يتمنّونه بقولهم : ﴿لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ* لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ﴾(٢) .
﴿فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ﴾ لغاية حمقهم ﴿مُعْرِضُونَ﴾ وبه لا يعتنون ، مع أنّ العاقل مشتاق إلى ما فيه خيره وشرفه ﴿أَمْ﴾ يتوهّمون أنّك ﴿تَسْأَلُهُمْ﴾ وتطلب منهم ﴿خَرْجاً﴾ وأجرا على أداء الرسالة ، فيمنعهم البخل بالمال ، أو اتّهامك بكون دعواك الرسالة لجلب المال وحبّ الدنيا لا لإطاعة الله ﴿فَخَراجُ رَبِّكَ﴾ ورزقه الذي أوجبه لك على نفسه في الدنيا ، وثوابه الذي أعدّه لك في الآخرة ﴿خَيْرٌ﴾ من جميع ما بأيديهم من الأموال ، بل من جميع الدّنيا لسعة عطائه ودوامه ﴿وَهُوَ﴾ تعالى ﴿خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ والمعطين لعدم قدرة أحد على مثل عطائه ، فلا وجه لاعراضهم عنك وعدم إيمانهم بك ﴿وَإِنَّكَ﴾ والله ﴿لَتَدْعُوهُمْ﴾ وتهديهم ﴿إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ موصل إلى كلّ خير ، وتأويله - كما عن القمّي - إلى ولاية أمير المؤمنين عليهالسلام (٣) .
﴿وَإِنَ﴾ المشركين ﴿الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ﴾ ولا يخافون عقاب الله في القيامة ، لانهماكهم في الشهوات وحبّ الدنيا ﴿عَنِ﴾ هذا ﴿الصِّراطِ﴾ المستقيم ﴿لَناكِبُونَ﴾ ولعادلون ؛ لأنّ خوف الآخرة أقوى البواعث على طلب الحقّ.
عن الصادق عليهالسلام ، قال : « قال أمير المؤمنين عليهالسلام : إنّ الله تعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه ، ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الذي يوتى منه ، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا ، فإنّهم عن الصراط لناكبون » (٤) .
﴿وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَقَدْ
أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ * حَتَّى إِذا فَتَحْنا
عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ إِذا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧١) و (٧٧)﴾
ثمّ ذمّهم الله بغاية اللّجاج والتمرّد بقوله : ﴿وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ﴾ كالجوع والمرض والقتل والسبي ﴿لَلَجُّوا﴾ وتمادوا ﴿فِي طُغْيانِهِمْ﴾ وإفراطهم في الكفر والشّقاق وعداوة
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٩٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٥.
(٢) تفسير الرازي ٢٣ : ١١٢ ، والآية من سورة الصافات : ٣٧ / ١٦٩.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٩٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٥.
(٤) الكافي ١ : ١٤١ / ٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٦.