ثمّ أجابهم سبحانه بقوله : ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ﴾ ولا يقدرون أن يدفعوا ﴿عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَنْ ظُهُورِهِمْ﴾ لإحاطتها بهم من كلّ جانب ﴿وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾ من أحد في دفعها ، ولا يعاونون من نفس عليها (١) لما استعجلوا به ، أو يعلمون حقيقة الحال ﴿بَلْ تَأْتِيهِمْ﴾ العدة أو النّار أو الساعة ﴿بَغْتَةً﴾ وغفلة عنه ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ وتحيّرهم أو تغلبهم ﴿فَلا يَسْتَطِيعُونَ﴾ حين إتيانها ﴿رَدَّها﴾ وصرفها عن أنفسهم ﴿وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ ويمهلون ، كي يستريحوا منها طرفة عين ، فإنّ الإمهال مختصّ بالدنيا ، أو كي يعتذروا من معاصيهم ، أو لا ينظر إليهم وإلى تضرّعهم.
ثمّ لمّا حكى سبحانه استهزاء المشركين بالنبيّ صلىاللهعليهوآله سلّاه ووعده بالنّصر بقوله : ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ﴾ كثيرة عظماء القدر كانوا ﴿مِنْ قَبْلِكَ﴾ كما استهزأ قومك بك فصبروا ﴿فَحاقَ﴾ وأحاط ﴿بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ﴾ بعد سخريّتهم ﴿ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ من العذاب ، فهلكوا جميعا ، وكذلك حال المستهزئين بك.
ثمّ أنّه تعالى بعد تسلية النبيّ صلىاللهعليهوآله وتهديد المستهزئين به أمره بتقريعهم بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد للمستهزئين : ﴿مَنْ﴾ الذي ﴿يَكْلَؤُكُمْ﴾ ويحفظكم ﴿بِاللَّيْلِ﴾ الذي هو أغلب مواقع البليّات ﴿وَالنَّهارِ﴾ الذي يختصّ بالآفات ﴿مَنْ﴾ عذاب ﴿الرَّحْمنِ﴾ غيره برحمته الواسعة ، فإنّه هو الذي يمهلكم مع شدّة استحقاقكم ﴿بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ بحيث لا يخطر ببالهم ، فضلا عن أن يخافوا منه ، ولا يعدّون ما هم عليه من الأمن والدّعة حفظا وكلاءة حتى يسألوا عن الكالئ. وفي إضافة الإعراض إلى الذّكر ، وإضافة الذّكر إلى الربّ ، تنبيه على كونهم في الغاية القصوى من الضّلال.
﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ
* بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَ فَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ
نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها أَ فَهُمُ الْغالِبُونَ (٤٣) و (٤٤)﴾
ثمّ بالغ سبحانه في تقريعهم بقوله : ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ قيل : المعنى بل لهم (٢) ، أو ألهم (٣) ، أو بل ألهم (٤) آلهة ﴿تَمْنَعُهُمْ﴾ وتحفظهم من العذاب والآفات اللّيليّة والنّهاريّة التي تكون ﴿مِنْ دُونِنا﴾ وعندنا.
وقيل : يعني تتجاوز منعنا (٥) ، أو آلهة يكونون من دوننا ، وهم معوّلون عليها ، مع أنّهم لغاية ضعفهم ﴿لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ﴾ ورفع الكسر والقطع والتّلويث عنها ﴿وَلا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾ بالنّصر،
__________________
(١) هكذا الظاهر ، وفي النسخة : عليه.
(٢) تفسير روح البيان ٥ : ٤٨٣.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ١٧٤.
(٤) تفسير البيضاوي ٢ : ٧١.
(٥) تفسير أبي السعود ٦ : ٦٩.