نفوسهم ، وحصول استعدادهم لنيل فيوضاته ورحمته ، فمن كان بهذه المرتبة من القدرة والرّحمة والإحسان ، [ فهو ] قادر على حفظك من السّهو في وحيه والنسيان في كلامه ﴿وَ﴾ لذا ﴿لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾ ولا تسرع إلى قراءته وحفظه خوفا من النسيان والانفلات ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى﴾ ويؤدّى ﴿إِلَيْكَ وَحْيُهُ﴾ ويتمّ جبرئيل قراءته عليك ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾ بالقرآن ، وفهما لحقائقه وتنوّرا بأنواره.
عن ابن عباس قال : كان صلىاللهعليهوآله يحرص على أخذ القرآن من جبرئيل ، فيعجل بقراءته قبل إتمام (١) جبرئيل مخافة النسيان ، فقال تعالى : لا تعجل به إلى أن نستتمّ (٢) وحيه ، فيكون أخذك إيّاه عن تثبّت وسكون ، والله تعالى يزيدك فهما وعلما (٣) .
وعن مجاهد : أي لا تعجل بالقرآن فتقرأه على أصحابك قبل أن يوحي إليك بيان معانيه (٤) .
وعن الضحاك : أنّ أهل مكّة واسقف نجران قالوا : يا محمّد ، أخبرنا عن كذا وكذا ، وقد ضربنا لك أجلا ثلاثة أيام فأبطأ الوحي عليه ، وفشت المقالة بأنّ اليهود [ قد ] غلبوا محمّدا ، فأنزل الله تعالى :
﴿وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ﴾ أي بنزوله من قبل أن يقضى إليك وحيه من اللّوح المحفوظ إلى إسرافيل ، ومنه إلى جبرئيل ، ومنه إليك ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً﴾(٥) .
عن النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « إذا أتى عليّ يوم لا أزداد فيه علما يقرّبني إلى الله ، فلا بارك الله لي في طلوع شمسه » (٦) .
قيل : إنّ موسى عليهالسلام سأل الله تعالى زيادة العلم فأحاله الله إلى الخضر ، وسأل نبيّنا صلىاللهعليهوآله زيادة العلم ولم يحله إلى غيره ، بل علّمه في مكتب ( أدبنى ربى ) وقال : ﴿عَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ﴾(٧) .
﴿وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً (١١٥)﴾
ثمّ لمّا أمر الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوآله بطلب ازدياد العلم المستلزم لحفظه من السهو والنسيان ، ذكر سبحانه نسيان آدم وزلته ، أو لمّا ذكر اهتمام النبي صلىاللهعليهوآله بالتّحفظ في أمر الدين وحفظ القرآن ، ذكر قلّة اهتمام آدم بالمحافظة لعهده بقوله : ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ﴾ ووصّيناه بوصيّة لازمة الرّعاية ، وهي النّهي عن الأكل من الشّجرة ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ وفي الأزمنة السابقة. وعن ابن عباس : من قبل أن يأكل من الشجرة (٨)
__________________
(١) في تفسير الرازي : استتمام.
(٢) في تفسير الرازي : يستتم.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ١٢٢.
(٤) تفسير الرازي ٢٢ : ١٢٢.
(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ١٢٢.
(٦) مجمع البيان ٧ : ٥٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٢.
(٧) تفسير روح البيان ٥ : ٤٣٢.
(٨) تفسير الرازي ٢٢ : ١٢٤.