وهل شيء أبلغ من هذه الأشياء من القرآن ؟ ! أ ليس الله يقول : ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ الخبر (١) .
﴿وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ﴾ على أنفسهم بالشرك والكفر به ﴿إِلَّا خَساراً﴾ وهلاكا وكفرا باصرارهم على تكذيبه والطعن فيه.
وعن الباقر عليهالسلام : « نزل جبرئيل عليهالسلام على محمّد صلىاللهعليهوآله [ بهذه الآية ] ولا يزيد الظالمين آل محمّد حقّهم إلّا خسارا » (٢) .
﴿وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ
يَؤُساً (٨٣)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّ الظلم إنّما هو بكفران النعم بقوله : ﴿وَإِذا أَنْعَمْنا﴾ النّعم الدنيوية من الصحّة والمال والجاه ﴿عَلَى﴾ نوع ﴿الْإِنْسانِ﴾ وبني آدم ﴿أَعْرَضَ﴾ وحوّل وجهه عن الحقّ ، ولم يعتن بدعوة الرسول ، ولم يقبل دين الله ﴿وَنَأى﴾ وتباعد من الهدى ﴿بِجانِبِهِ﴾ ونفسه ، أو لوى عنه عطفه وولّاه ظهره استكبارا وتعظّما ، وامتنع عن طاعة الله ورسوله حبا للدنيا وغفلة عن العقبى ﴿وَإِذا مَسَّهُ﴾ وأصابه ﴿الشَّرُّ﴾ من المرض والفقر وسائر الشدائد ﴿كانَ يَؤُساً﴾ ومنقطع الرجاء من رحمة الله جهلا بسعة كرمه وفضله ، فلا يذكر الله ولا يقبل إليه ، ولا يقبل دعوة الرسول ، ولا يطيعه في حال من الأحوال ، وهذا غاية من هو في الضلال ، ودونه من إذا مسّه الشّر فذو دعاء عريض.
وفي إسناد الإنعام إلى نفسه دون الشرّ إيذان بأنّ النعمة من فضله ، دون الشرّ فانّه بذنوب الخلق ، أو بأنّ الأول هو المقصود بالذات ، والثاني مقصود بالتّبع.
عن ابن عباس : أنّ المقصود بالانسان هنا الوليد بن المغيرة (٣) .
قال الفخر الرازي : هذا بعيد ، بل المراد أنّ نوع الانسان [ من ] شأنه ذلك (٤) .
أقول : فيه أنّ المراد أنّ مورده خاص ، وإن كان موضوع الحكم عاما ، كما في قوله تعالى : ﴿إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا﴾(٥) .
﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً * وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ
الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٤) و (٨٥)﴾
__________________
(١) طب الأئمة عليهمالسلام : ٤٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢١٣.
(٢) تفسير العياشي ٣ : ٧٩ / ٢٥٩٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢١٣.
(٣ و٤) تفسير الرازي ٢١ : ٣٥.
(٥) الحجرات : ٤٩ / ٦.