أبو لهب بئس ما حبوت ابن عمّك أن أجابك فملأت فاه ووجهه بزاقا. فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « ملأته حكمة وعلما » (١) .
﴿وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ
مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ
فِي السَّاجِدِينَ * إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٢١٥) و (٢٢٠)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد أمر نبيه صلىاللهعليهوآله بانذار الأقربين من عشيرته أمره بحسن العشرة والتواضع لعموم أهل الايمان بقوله : ﴿وَاخْفِضْ جَناحَكَ﴾ وليّن جانبك وتواضع ﴿لِمَنِ اتَّبَعَكَ﴾ وأطاع أوامرك ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بك.
عن الصادق عليهالسلام قال : « قد أمر الله تعالى أعزّ خلقه وسيد بريّته محمّد صلىاللهعليهوآله بالتواضع ، فقال عزوجل ﴿وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ والتواضع مزرعة الخشوع (٢) والخشية والحياء ، وإنّهن لا ينبتن إلّا منها وفيها ، ولا يسلم الشرف الحقيقي إلّا للمتواضع في ذات الله تعالى » (٣) .
ثمّ أمر الله بالتبري من العصاة من المؤمنين بقوله : ﴿فَإِنْ عَصَوْكَ﴾ وخالفوا حكمك ﴿فَقُلْ﴾ لهم : ﴿إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ من المعاصي بلا خوف من كيدهم وضررهم ﴿وَتَوَكَّلْ﴾ في جميع حالاتك ﴿عَلَى﴾ الله ﴿الْعَزِيزِ﴾ القادر القاهر لأعدائه ﴿الرَّحِيمِ﴾ بأوليائه المتوكّلين عليه بالنصر والتأييد ، فينصرهم ويكفيهم شرّ كلّ ذي شرّ.
ثمّ وصف ذاته المقدّسة بالعلم الكامل بأحواله بقوله : ﴿الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ﴾ بوظائف النبوة ، أو للصلاة بالناس جماعة ، أو للتهجّد ، أو لأمر من الامور ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي﴾ تصفّح أحوال ﴿السَّاجِدِينَ﴾ والعابدين لتطّلع على أسرارهم.
قيل : لمّا نسخ فرض قيام الليل ، طاف عليهالسلام تلك الليلة ببيوت أصحابه ، لينظر على ما يبيتون (٤) ، لحرصه على طاعتهم ، فوجدها كبيوت الزنابير ، لما سمع منها من دندنتهم (٥) .
أو المراد نرى تصرّفك فيما بين المأمومين (٦) بالركوع والسّجود ، كما عن ابن عباس (٧) ، أو تقلّبك في المؤمنين المصلّين لكفاية امور الدين ، أو تقلّبك في أصلاب آبائك المؤمنين ، أو النبيّين ، كما عن ابن
__________________
(١) مجمع البيان ٧ : ٣٢٣ ، تأويل الآيات ١ : ٣٩٣ / ١٩ ، بحار الأنوار ٣٧ : ٢٧١ / ٤١.
(٢) زاد في مصباح الشريعة : والخضوع.
(٣) مصباح الشريعة : ٧٤ ، تفسير الصافي ٤ : ٥٤.
(٤) في تفسير الرازي : لينظر ما يصنعون.
(٥) تفسير الرازي ٢٤ : ١٧٣.
(٦) في مجمع البيان : ويرى تصرفك في المصلين.
(٧) مجمع البيان ٧ : ٣٢٣.