لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ﴾(١) الآية.
قال : فبينما جبرئيل عليهالسلام والنبي صلىاللهعليهوآله يتحدّثان إذ فتح باب من أبواب السماء لم يكن فتح قبل ذلك ، ثمّ قال : ابشر يا محمّد ، هذا رضوان خازن الجنة قد أتاك بالرضا من ربّك ، فسلّم عليه ، وقال : [ إنّ ] ربّك يخيّرك بين أن تكون نبيا ملكا ، وبين أن تكون نبيا عبدا ، ومعه سفط من نور يتلألأ ، ثمّ قال : هذه مفاتيح خزائن الدنيا فاقبضها من غير أن ينقصك الله ممّا أعدّ لك في الآخرة جناح بعوضة ، فنظر النبي صلىاللهعليهوآله إلى جبرئيل كالمستشير ، فأومأ بيده أن تواضع ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « بل نبيا عبدا » . قال : فكان صلىاللهعليهوآله بعد ذلك لم يأكل متّكئا حتى فارق الدنيا (٢) .
وعن عائشة قالت : قلت : يا رسول الله ، ألا تستطعم الله فيطعمك ؟ قالت : فبكيت لما رأيت به من الجوع وشدّ الحجر [ على بطنه ] من السّغب ، فقال : يا عائشة ، والذي نفسي بيده لو سألت ربي أن يجري معي جبال الدنيا ذهبا لأجراها حيث شئت من الأرض ، ولكن اخترت جوع الدنيا على شبعها ، وفقرها على غناها ، وحزنها على فرحها. يا عائشة ، إنّ الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد (٣).
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً * إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ
بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢)﴾
ثمّ بيّن سبحانه علّة صدور هذه الخرافات عنهم بقوله : ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ﴾ كأنه (٤) سبحانه قال : لم يحملهم على هذه الأقاويل الباطلة شبهة حقيقية في نبوتك ، بل حملهم عليها وعلى تكذيبك عنادهم وعدم خوفهم من الساعة ودار الجزاء ، لأنّهم يكذّبونها ، أو أنّهم كذبّوها لثقل الاستعداد لها عليهم ، أو المراد أنّهم لا ينتفعون بدلائل نبوتك ، ولا يتفكّرون فيها لتكذيبهم بالساعة ، وعدم رجائهم الثواب ، وعدم خوفهم من العقاب ، وقصور أنظارهم على الزّخارف الدنيوية ، وظنّهم أن الكرامة إنّما هي في الغنى والثّروة ، ولذا عيّروك بالفقر.
ثمّ هدّد المكذّبين بالساعة بقوله : ﴿وَأَعْتَدْنا﴾ وهيّئنا في الآخرة ﴿لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ﴾ وأنكر دار الجزاء ﴿سَعِيراً﴾ ونارا شديدة الحرّ والاشتعال.
وقيل : إنّ السعير من أسامي جهنم (٥) .
ثمّ وصف الله السعير بقوله : ﴿إِذا رَأَتْهُمْ﴾ تلك السعير ﴿مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ غاية البعد ، كما بين
__________________
(١) الفرقان : ٢٥ / ٢٠.
(٢) تفسير الرازي ٢٤ : ٥٤.
(٣) تفسير روح البيان ٦ : ١٩٣.
(٤) في النسخة : كان.
(٥) تفسير الرازي ٢٤ : ٥٥ ، تفسير البيضاوي ٢ : ١٣٦.