في تفسير سورة المؤمنون
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ
اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (١) و (٣)﴾
ثمّ لمّا ختم الله السّورة المباركة التي في أوّلها إثبات المعاد ، والاستدلال عليه بقدرته على خلق الإنسان من التّراب ، وتقليبه في أطوار مختلفة ، وبخلق النّباتات ، وفي آخرها إثبات التّوحيد وإبطال الشّرك ، والدّعوة إلى الإيمان واقامة الصّلاة وأداء الزكاة برجاء الفلاح ، أردفها بسورة ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ التي في أوّلها تخصيص الفلاح بالمؤمنين ومدحهم ، وبيان رجحان الخشوع في الصّلاة ولزوم الاهتمام بها ، وذكر المعاد والاستدلال عليه بالدّليلين المذكورين ، وحكاية دعوة الأنبياء إلى التّوحيد وابتلاء منكريه بالعذاب ، وفي آخرها تهديد منكر المعاد بأهوال القيامة ، وحرمان الكفّار من الفلاح ، فابتدأها بقوله : ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ﴾ ثمّ افتتحها بوعد المؤمنين بالفلاح بقوله : ﴿قَدْ أَفْلَحَ﴾ وسعد وفاز ﴿الْمُؤْمِنُونَ﴾ والموحّدون بأعلى المقاصد وأسناها.
روي أنّ الله تعالى لمّا خلق جنّة عدن بيده قال : تكلّمي ، فقالت : قد أفلح المؤمنون (١) ، فقال : طوبى لك منزل الملوك ، أي ملوك الجنّة (٢) .
وعن الصادق عليهالسلام ما يقرب منه إلى قوله : طوبى (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام قال : « أتدري من هم ؟ » قيل : أنت أعلم ، قال : « قد أفلح المؤمنون المسلّمون ، إنّ المسلّمين هم النّجباء » (٤) .
ثمّ وصفهم الله بقوله : ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ وبقلوبهم من مهابة الله خائفون ، وبجوارحهم متواضعون.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ٨٢.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٦٦.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٨٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٩٣ ، وفيهما إلى قوله : المؤمنون.
(٤) الكافي ١ : ٣٢٢ / ٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٩٣.