لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (٥٩) و (٥٩)﴾
ثمّ ذكر سبحانه علّة إمهالهم بقوله : ﴿وَرَبُّكَ الْغَفُورُ﴾ للذّنوب و﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ على العباد يحلم ويرحم و﴿لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا﴾ ولا يحلم عنهم ﴿لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ﴾ بالصّاعقة ، أو الخسف ، أو غيرهما ممّا يهلكهم بالاستئصال في الدنيا ، أو بإماتتهم وإحراقهم بالنّار في الآخرة ﴿بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ﴾ ووقت معيّن لمؤاخذتهم فيه ﴿لَنْ يَجِدُوا﴾ حين مجيئ ذلك الموعد ﴿مِنْ دُونِهِ﴾ وممّا سواه تعالى ﴿مَوْئِلاً﴾ وملجأ يلتجئون إليه.
ثمّ استشهد على إمهاله الكفّار وأخذهم في موعده بالقرى المهلكة بقوله : ﴿وَتِلْكَ الْقُرى﴾ المهلكة من قرى عاد وثمود وأضرابهما ﴿أَهْلَكْناهُمْ﴾ بعذاب الاستئصال ﴿لَمَّا ظَلَمُوا﴾ أنفسهم بالكفر والطغيان وتكذيب الرسل والإعراض عن الآيات ، ولكن لم نعاجلهم ، بل قرّرنا ﴿وَجَعَلْنا لِمَهْلِكِهِمْ﴾ وإنزال العذاب عليهم ﴿مَوْعِداً﴾ ووقتا معيّنا ممتدّا لم يتقدّم إهلاكهم عليه ولم يتأخّر عنه.
﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً *
فَلَمَّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً (٦٠) و (٦١)﴾
ثمّ أنّه تعالى بعد بيان أنّ الفخر والكبر خلق الشّيطان ، بيّن أنّ صفة التواضع وتبعيّة العالم من كرائم أوليائه ورسله ، بذكر قصّة موسى عليهالسلام وتبيعته الخضر بقوله : ﴿وَإِذْ قالَ مُوسى﴾ بن عمران بن يصهر ﴿لِفَتاهُ﴾ وخادمه يوشع بن نون ، أو أخي يوشع ، أو عبده ﴿لا أَبْرَحُ﴾ ولا أزال أسير وأذهب ﴿حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ بحر فارس وبحر روم وملتقاهما على ما قيل (١) ، وهو الموضع الذي وعده الله بلقاء الخضر فيه. أو مجمع موسى والخضر ، فإنّ موسى بحر العلم الظاهر ، والخضر بحر العلم الباطن ﴿أَوْ أَمْضِيَ﴾ وأسير في الأرض ﴿حُقُباً﴾ ومدّة طويلة ، أو ثمانون سنة على ما قيل (٢) ، ورواه القمي عن الباقر عليهالسلام (٣) .
وقال القمي : لمّا أخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله قريشا بخبر أصحاب الكهف قالوا : أخبرنا عن العالم الذي أمر الله موسى أن يتّبعه وما قصّته ؟ فأنزل الله : ﴿وَإِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ﴾(٤) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ١٤٥ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٦٣.
(٢) تفسير الرازي ٢١ : ١٤٦ ، تفسير روح البيان ٥ : ٢٦٤.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٤٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٤٨.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٣٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٤٨.