وعن الباقر عليهالسلام أنّه سئل ما عنى بقوله : ﴿وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا ؟﴾ قال : « تحنّن الله » ثمّ سئل فما بلغ من تحنّن الله عليه ؟ قال : « كان إذا قال : يا ربّ ، قال الله عزوجل : لبيك يا يحيى » (١) .
وعن الصادق عليهالسلام : « أنّه كان إذا قال في دعائه : يا ربّ يا الله ، ناده الله من السماء : لبّيك يا يحيى سل حاجتك » (٢) .
وعن ( الكافي ) عن الباقر عليهالسلام : « مات زكريّا فورثه يحيى الكتاب والحكمة وهو صبيّ صغير » ثمّ تلا هذه الآية (٣) .
وعن الجواد عليهالسلام : « أنّ الله احتجّ في الإمامة بمثل ما احتجّ به في النبوّة فقال : ﴿وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾(٤) .
﴿وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)﴾
ثمّ أخبر الله بإكرامه وتعطّفه عليه في جميع الأحوال بقوله : ﴿وَسَلامٌ﴾ وأمان من الله ﴿عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ﴾ من أن يناله من الشّيطان ما ينال سائر بني آدم ﴿وَيَوْمَ يَمُوتُ﴾ من عذاب القبر ﴿وَيَوْمَ يُبْعَثُ﴾ من القبر ﴿حَيًّا﴾ إلى المحشر من عذاب القيامة وأهوالها.
روى بعض العامة : « أنّ أوحش ما يكون الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد فيرى نفسه خارجا ممّا كان فيه ، ويوم يموت فيرى قوما ما شاهدهم قطّ ، ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم. فأكرم الله يحيى فحيّاه (٥) بالسّلام عليه في هذه المواطن الثلاثة » (٦) .
وعن الرضا عليهالسلام : « أنّ أوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن : يوم يولد ويخرج من بطن امّه فيرى الدنيا ، ويوم يموت فيعاين الآخرة وأهلها ، ويوم يبعث فيرى أحكاما لم يرها في الدنيا ، وقد سلّم الله عزوجل على يحيى في هذه الثلاثة المواطن وآمن روعته » وتلا الآية (٧) .
ثمّ اعلم أنّ في ذكر القصّة فوائد كثيرة : منها تعليم آداب الدعاء ، أوّلها : الإخفاء فيه ، كما قال تعالى : ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾(٨) ، الثاني : ذكر عجز النفس وضعفها قبل سؤال الحاجة ، الثالث : ذكره كثرة نعم الله عليه ، الرابع : نداء الله بوصف الربوبيّة ، الخامس : إظهار عدم كون قصده بالدعاء محض الدنيا بل صلاح الدين.
__________________
(١) الكافي ٢ : ٣٨٩ / ٣٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٥.
(٢) المحاسن : ٣٥ / ٣٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٥.
(٣) الكافي ١ : ٣١٣ / ١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٥.
(٤) الكافي ١ : ٣١٥ / ٧ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٥.
(٥) في تفسير الرازي : فخصّه.
(٦) تفسير الرازي ٢١ : ١٩٣.
(٧) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٢٥٧ / ١١ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٦.
(٨) الأعراف : ٧ / ٥٥.