يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (٢٤) و (٢٥)﴾
ثمّ قرّر سبحانه الوعد بالعذاب بتعيين وقت حلوله وتهويله ببيان ظهور موجبة من القذف وسائر المعاصي في ذلك الوقت بشهادة الجوارح عليها على رؤس الأشهاد بقوله : ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾ التي نطقوا بها بالقذف وغيره من الكلمات المحرّمة ﴿وَأَيْدِيهِمْ﴾ التي عملوا بها المعاصي ﴿وَأَرْجُلُهُمْ﴾ التي سعو إليها ﴿بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ من القذف وغيره ممّا صدر عنهم بانطاق الله جميعها بقدرته ، فكلّ جارحة تشهد بما صدر عن صاحبها من القبائح والمعاصي ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ﴾ ويعطيهم كاملا ﴿دِينَهُمُ﴾ وجزاءهم ﴿الْحَقَ﴾ الثابت الذي يستحقونه بمعاصيهم ﴿وَيَعْلَمُونَ﴾ عند شهادة الجوارح ومعاينة الأهوال وحكمه تعالى بتعذيبهم ﴿أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُ﴾ والثابت الذي لا زوال لذاته وصفاته التي منها الحكمة والعدل ، وأفعاله التي منها إعطاء كلّ مستحقّ ما يستحقّه من الثواب والعقاب ﴿الْمُبِينُ﴾ والمطهّر للأشياء كما هي في أنفسها ، أو الثابت في الوهيّته الظاهر فيها ، أو العادل الظاهر في عدله.
قيل : لو تتبّعت ما في القرآن المجيد من آيات الوعيد الواردة في حقّ كلّ كفّار مريد وجبّار عنيد لا تجد شيئا منها فوق هاتيك القوارع المشحونة بفنون التهديد والتشديد ، وما ذاك إلّا لأجل إظهار منزلة النبيّ صلىاللهعليهوآله في علوّ الشأن والنباهة وإبراز عصمة أزواجه (١) من الفحش المنافي لشأن النبوة.
﴿الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ
لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٢٦)﴾
ثمّ ختم سبحانه قصّة الإفك بالحكم بطهارة أزواج النبي صلىاللهعليهوآله من الفحش بقوله : ﴿الْخَبِيثاتُ﴾ من أقاويل أهل الإفك ، أو الكلمات الدالة على الذمّ واللّعن ، أو النساء الزانيات ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الأقاويل ، أو الذمائم ، أو النساء الزواني بحيث لا يتجاوزوهنّ ومن الرجال والنساء على التفسيرين الأولين ، ومن الرجال على الثالث ﴿وَالْخَبِيثُونَ﴾ من الفريقين ، أو من الرجال ﴿لِلْخَبِيثاتِ﴾ على المعنيين الأولين ، أو من الرجال على الثالث.
القمي قال : الخبيثات من الكلام والعمل للخبيثين من الرجال والنساء (٢) .
﴿وَالطَّيِّباتُ﴾ من أقاويل منكري الإفك ، أو الكلمات المحسنات ممّا فيه رضا الله ، أو النساء العفيفات ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ والأعفّاء من الرجال والنساء ، يسلمونهم ويصدق عليهم من قال
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ١٦٧.
(٢) تفسير القمي ٢ : ١٠١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٢٧.