أنفسهم للهلاك ، وإنما ذكر سبحانه من الامم المهلكة خصوص ثمود لأنّهم كانوا من العرب مثلهم ، وكانوا عالمين بحالهم ومشاهدين آثار هلاكهم.
عن القمي ، عن الباقر عليهالسلام : « أنّ محمّدا صلىاللهعليهوآله سأله قومه أن يأتيهم بآية ، فنزل جبرئيل وقال : إنّ الله يقول : ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ﴾ وكنّا إذا أرسلنا إلى قرية آية فلم يؤمنوا بها أهلكناهم ، فلذلك أخّرنا عن قومك الآيات » (١) .
﴿وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ﴾ غير المقترحة من القرآن وسائر المعجزات ﴿إِلَّا﴾ لتكون ﴿تَخْوِيفاً﴾ وإنذارا لهم بعذاب الآخرة ، فإنّ أمر أمّتك التي بعثت إليهم مؤخّر إلى يوم القيامة كرامة لك.
عن سعيد بن جبير : أنّ القوم قالوا : يا محمّد ، إنّك تزعم أنّه كان قبلك أنبياء ، فمنهم من سخّرت له الريح ، ومنهم من كان يحيي الموتى ، فأتنا بشيء من هذه المعجزات ، فأجاب الله عن هذه الشبهة بقوله : ﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ﴾ الآية (٢) .
وعن ابن عباس : أنّ أهل مكة سألوا الرسول صلىاللهعليهوآله أن يجعل لهم الصفا ذهبا ، وأن يزيل الجبال لهم حتى يزرعوا [ تلك ] الأراضي التي تحتها ، فطلب الرسول صلىاللهعليهوآله ذلك من الله تعالى ، فقال الله تعالى : إن شئت فعلت ذلك ، لكن بشرط أنّهم إن كفروا أهلكتهم. فقال الرسول صلىاللهعليهوآله : « لا اريد ذلك بل نتأنّى (٣) بهم » ، فنزلت (٤) .
وقيل : إنّ وجه الجواب أن الأولين شاهدوا هذه المعجزات ، وكذّبوا بها ، فعلم الله منكم أنّكم لو شاهدتموها لكذّبتم ، فكان إظهارها عبثا (٥) .
﴿وَإِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلاَّ فِتْنَةً
لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْياناً
كَبِيراً (٦٠)﴾
ثمّ لمّا صار عدم إجابة الرسول مسألة المشركين في ما اقترحوه من الآيات سببا لجرأتهم عليه وطعنهم في رسالته ، قوّى سبحانه قلبه الشريف بوعده النصر عليهم بقوله : ﴿وَإِذْ قُلْنا لَكَ﴾ بتوسّط جبرئيل : إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ﴾ قدرة وعلما ، فلا يقدر أحد على أمر إلّا بقضائه وإرادته ، فلا تنال بهم ولا تخف منهم فانّهم لن يضرّوك شيئا ، وإنّ ربك سينصرك عليهم ، ويؤيّدك حتى يظهر دينك
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٢١ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٩.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٣٤.
(٣) في تفسير الرازي : تتأنّى.
(٤) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٣٤.
(٥) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٣٤.