فأتاه ملك فقال : إنّ الله بعثني إليك فمرني بما شئت ، فقال : لي اسوة بما صنع بالأنبياء » (١) .
﴿وَكانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ﴾ وأقاربه ﴿بِالصَّلاةِ﴾ التي هي أفضل العبادات البدنيّة ﴿وَالزَّكاةِ﴾ التي هي أفضل العبادات المالية ﴿وَكانَ﴾ هو ﴿عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا﴾ ومحبوبا لنيله بأعلى درجات العبودية والطاعة والانقياد.
﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا * وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا * أُولئِكَ
الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ
ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ
خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا (٥٦) و (٥٨)﴾
في ذكر ترجمة إدريس النبي عليهالسلام
ثمّ لمّا كان إدريس - على ما قيل - أوّل من تظاهر بالنبوّة ، ذكره الله بقوله : ﴿وَاذْكُرْ﴾ يا محمّد ﴿فِي﴾ هذا ﴿الْكِتابِ﴾ لقومك ﴿إِدْرِيسَ﴾ وإنّما لقّب به لكثرة دراسته ، نزل عليه ثلاثون صحيفة ، وكان اسمه اخنوخ ، وولد قبل موت آدم عليهالسلام بمائة سنة ، أو بعد موته بمأئة سنة ، وكان جدّ أبي نوح ، وهو أوّل من وضع الميزان والمكيال ، واتّخذ السّلاح وجاهد في سبيل الله ، وسبى واسترقّ بني قابيل ، وخطّ بالقلم ، ونظر في علم الحساب والنّجوم ، وخاط الثياب ، ولبس القطن وكانوا يلبسون الجلود (٢) .
﴿وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا﴾ رفيعا. عن ابن عبّاس : إنّه رفع إلى السّماء حيّا ، ثمّ قبض روحه فيها (٣) . وقيل : إنّه بقي حيّا في السماء الرابعة (٤) .
وقيل : إنّ أربعة من الأنبياء في الأحياء ؛ اثنان في الأرض : الخضر وإلياس ، واثنان في السماء : إدريس وعيسى (٥) .
ثمّ أنّه تعالى بعد مدح كلّ واحد من الأعاظم المذكورين بالتفصيل ، جمعهم في الثناء والتجليل بقوله : ﴿أُولئِكَ﴾ الأعاظم المذكورون بعض من ﴿الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ﴾ بأنواع النّعم الدينيّة والدنيويّة وأصناف المواهب الصورية والمعنوية ﴿مِنَ﴾ بين ﴿النَّبِيِّينَ﴾ الذين هم ﴿مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ﴾ ونسله كإدريس ومن قبله في الذّكر ﴿وَمِمَّنْ﴾ كان في أصلاب من ﴿حَمَلْنا﴾ هم في السفينة ﴿مَعَ
__________________
(١) علل الشرائع : ٧٧ / ٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٨٥.
(٢) لم يذكر المصنف تفسير قوله تعالى : إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا وقد تقدّم القول فيه عند الآية (٤١) من هذه السورة.
(٣ - ٥) تفسير روح البيان ٥ : ٣٤٢.