وقيل : إن القلوب تتقلّب طمعا في النجاة ، وحذرا من العذاب ، والأبصار تتقلّب ليرى من أي ناحية يؤمر بهم إلى النار ، ومن أيّ جهة يعطون كتابهم.
وانما يداومون على التسبيح ، ويستغرقون في الذّكر ، ويهتمون بالعبادات البدنية والمالية ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ﴾ ويثيبهم في ذلك اليوم ﴿أَحْسَنَ﴾ جزاء ﴿ما عَمِلُوا﴾ من العبادات والطاعات حسبما وعدلهم ﴿وَيَزِيدَهُمْ﴾ على ما وعدهم ألطافا وأنعاما اخر لم يعدهم بها ولا تخطر على قلب أحد ﴿مِنْ فَضْلِهِ﴾ وكرمه ﴿وَاللهُ يَرْزُقُ﴾ ويعطي نعمه ﴿مَنْ يَشاءُ﴾ إعطاءه الرزق والنّعم ﴿بِغَيْرِ حِسابٍ﴾ وبحيث لا يقدر أحد على تعداده وتقديره.
ثمّ اعلم أنّ بعض العامة نسب إلى كثير من الصحابة أنّهم قالوا : نزلت هذه الآية في أهل الأسواق الذين إذا سمعوا النداء بالصلاة تركوا كل شغل وبادروا إليها ، لا في أصحاب الصّفة (١) الذين تركوا التجارة ولزموا المسجد (٢) .
عن الصادق عليهالسلام - في هذه الآية - قال : « كانوا أصحاب تجارة ، فاذا حضرت الصلاة تركوا التجارة وانطلقوا إلى الصلاة ، وهم أعظم أجرا ممّن لا يتجر » (٣) .
وفي ( الكافي ) رفعه قال : « التجّار الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله عزوجل ، إذا دخلت مواقيت الصلاة أدّوا إلى الله حقّه فيها » (٤) .
وعنه عليهالسلام أنّه سأل عن تاجر ما فعل ؟ فقيل : صالح ولكنه قد ترك التجارة ، فقال : « عمل الشيطان - ثلاثا - أما علم أن رسول الله صلىاللهعليهوآله اشترى عيرا أتت من الشام ، فاستفضل فيها ما قضى دينه ، وقسّم في قرابته ، يقول الله عزوجل ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ﴾ الآية ، يقول القصاص : إنّ القوم لم يكونوا يتجرون ، كذبوا ولكنّهم لم يكونوا يدعون الصلاة في ميقاتها ، وهو أفضل ممّن حضر الصلاة ولم يتجر » (٥) .
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ
يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ * أَوْ كَظُلُماتٍ
فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ
بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ
__________________
(١) زاد في تفسير روح البيان : وأمثالهم.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ١٦٠.
(٣) من لا يحضره الفقيه ٣ : ١٩٩ / ٥٠٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٣٧.
(٤) الكافي ٥ : ١٥٤ / ٢١ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٣٧.
(٥) الكافي ٥ : ٧٥ / ٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٣٧.