ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٥٨)﴾
ثمّ لمّا بيّن سبحانه كون عذابه حقيقا بأن يحذر منه ، بيّن ابتلاء الكفّار في الدنيا بشديد عذابه بقوله : ﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ من قرى المشركين ، وما من بلدة من بلادهم ﴿إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوها﴾ بعذاب الاستئصال المفني لجميع أهلها ﴿قَبْلَ يَوْمِ الْقِيامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوها عَذاباً شَدِيداً﴾ دون عذاب الاستئصال من قبل أكابرهم وتسليط المسلمين عليهم بالسبي واغتنام الأموال وأخذ الجزية ﴿كانَ ذلِكَ﴾ الحكم والدأب الالهي ﴿فِي الْكِتابِ﴾ المبين واللوح المحفوظ ﴿مَسْطُوراً﴾ ومكتوبا لا يتطرّق إليه التغيير.
وقيل : إنّ المراد به القرية (١) الصالحة والطالحة ، أما الصالحة فتهلك بالموت ، وأما الطالحة فبالعذاب (٢) .
عن الصادق عليهالسلام ، قال : « بالقتل أو الموت وغيره » (٣) .
وعنه عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية ، فقال : « هو الفناء بالموت » (٤) .
وعن الباقر عليهالسلام : « إنّما امّة محمد من الامم ، فمن مات فقد هلك » (٥) .
﴿وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ
مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً (٥٩)﴾
ثمّ لمّا ذكر سبحانه ابتلاء بعض القرى بعذاب الاستئصال لتكذيبهم الرسل مع ظهور المعجزات القاهرة ، أظهر منّته على هذه الامّة بعدم تعذيبهم بقوله : ﴿وَما مَنَعَنا﴾ من ﴿أَنْ نُرْسِلَ﴾ وننزل ﴿بِالْآياتِ﴾ القاهرة والمعجزات المقترحة من المشركين شيئا ﴿إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا﴾ العتاة ﴿الْأَوَّلُونَ﴾ والكفّار السابقون ، كقوم عاد وثمود وأضرابهما ، فاستحقّوا لذلك عذاب الاستئصال ، فلو أرسلنا المعجزات التي اقترحها المشركون وكذّبوا بها ، لاستوجبوا عذاب الاستئصال كسابقيهم ، فمننّا على هذه الامة ببركة نبي الرحمة بأن لا نستأصلهم بالعذاب ، ألم يسمعوا أنّا أرسلنا صالحا بالنبوة ، واقترح قومه عليه وسألوه معجزة قاهرة فأجبناهم ﴿وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ﴾ بأن أخرجناها من الصخرة لتكون لهم معجزة ﴿مُبْصِرَةً﴾ وموجبة لليقين بصدق صالح وصحّة دينه بحيث لم يبق معها لأحد مجال الشكّ في كونها معجزة ، وفي صدق نبوة صالح ﴿فَظَلَمُوا﴾ الناقة بأن عقروها وكذّبوا ﴿بِهَا﴾ وعرّضوا
__________________
(١) في النسخة : المراد بالقرية.
(٢) تفسير الرازي ٢٠ : ٢٣٣.
(٣) تفسير العياشي ٣ : ٥٧ / ٢٥٣٦ ، وفيه : والموت أو غيره ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٨.
(٤) من لا يحضره الفقيه ١ : ١١٨ / ٥٦٢ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٨.
(٥) تفسير العياشي ٣ : ٥٦ / ٢٥٣٤ ، تفسير الصافي ٣ : ١٩٨.