والمنفيين من ديارنا بأسوء حال ﴿قالَ﴾ لوط : يا قوم ﴿إِنِّي﴾ أبغض المقام فيكم ، واتمنّى الخروج من بينكم ، لأنّي ﴿لِعَمَلِكُمْ﴾ الشنيع من وطئ الرجال ونكاح الذكور ﴿مِنَ الْقالِينَ﴾ والمبغضين أشدّ البغض ، فكيف ارتدع عن نهيكم عنه وإنكاره عليكم بسبب تهديدكم بإخراجي من بينكم ، مع أنه غاية أملي ؟
﴿رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ * فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عَجُوزاً فِي
الْغابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ * وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ *
إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ
الرَّحِيمُ (١٦٩) و (١٧٥)﴾
ثمّ أعرض عنهم وتضرّع إلى ربّه في إخراجه من بينهم ، وخلاص نفسه وأهله من شؤم عملهم بقوله : ﴿رَبِّ نَجِّنِي﴾ وخلّصني ﴿وَأَهْلِي﴾ من سوء ما ﴿يَعْمَلُونَ﴾ من العمل الشنيع وعذابه بإخراجي من بينهم ﴿فَنَجَّيْناهُ﴾ وخلّصناه ﴿وَأَهْلَهُ﴾ ومن تعلّق به ﴿أَجْمَعِينَ﴾ استجابة لدعائه ﴿إِلَّا عَجُوزاً﴾ وامرأة مسنّة اسمها والهة على ما قيل (١) ، فانّها لكفرها ورضاها بعمل القوم بقيت ﴿فِي الْغابِرِينَ﴾ والباقين في البلد والعذاب.
روي أنّها خرجت مع لوط ، فلمّا سمعت الرّجفة التفتت فأصابها حجر فهلكت (٢) . وقيل : إنّها بقيت في البلد ولم تخرج مع لوط (٣) .
﴿ثُمَّ دَمَّرْنَا﴾ وأهلكنا أفظع الهلاك وأشدّه ﴿الْآخَرِينَ﴾ من قومه وأهل بلده حيث قلبت عليهم بلادهم وجعل عاليها سافلها ﴿وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً﴾ عجيبا هائلا وهو مطر الحجارة ﴿فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ﴾ والقوم الذين خوّفوا من العذاب ولم يؤمنوا ولم يرتدعوا من أرتكاب الفاحشة.
قيل : إنّ الحاضرين في البلاد أهلكوا بانقلاب بلادهم ، والمسافرون منهم اهلكوا بمطر الحجارة(٤).
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ العذاب المستأصل الذي على هؤلاء القوم ﴿لَآيَةً﴾ وعبرة عظيمة لمن بعدهم ، ولمن بقي في الأرض من العصاة ﴿وَما كانَ﴾ مع ذلك ﴿أَكْثَرُهُمْ﴾ مع إبلاغ لوط في النّصح ﴿مُؤْمِنِينَ﴾ به قيل : ما آمن به إلا بنتيه وصهره (٥)
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ والقادر على تعذيب أعدائه وقهرهم لكنّه ﴿الرَّحِيمُ﴾ بهم لإمهالهم.
__________________
(١-٣) تفسير روح البيان ٦ : ٣٠٢.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٣٠٢.
(٥) تفسير روح البيان ٦ : ٣٠٢.