﴿وَمَنْ حَوْلَها﴾ كلّ من كان في أرض الشام (١) .
ثمّ نزّه سبحانه نفسه عن الحاجة إلى المكان والعوارض الامكانية بقوله : ﴿وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ دفعا لتوهّم التشبيه من سماع كلامه ، أو تعجيبا من عظمة ذلك الأمر.
﴿يا مُوسى إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ
وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ * إِلاَّ
مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩) و (١١)﴾
ثم أعلم أنّ في ابتداء خطاب الله لموسى عليهالسلام عند مجيئه بشارة له بأنّه قد قضي له أمر عظيم تنتشر منه البركة في أرض الشام ، وهو رسالته وظهور معجزاته ، وفي تنزيه ذاته وتوصيفه بالربوبية تمهيد مقدمة لصحّة رسالة موسى ، وأنّها من شؤون ربوبيته للعوالم ، ومن جلائل الامور وعظائم الوقائع.
ثمّ أنّه روي أن موسى عليهالسلام لمّا سمع النداء قال : من المنادي ؟ فناداه الله ثانيا بقوله : ﴿يا مُوسى إِنَّهُ﴾ الشأن أو المنادى ﴿أَنَا اللهُ﴾ ثمّ عرف نفسه بقوله : ﴿الْعَزِيزُ﴾ القويّ القادر على ما لا تناله الأوهام والعقول من خوارق العادات ﴿الْحَكِيمُ﴾ في فعاله.
ثمّ أنّه تعالى بعد توصيف ذاته بالوصفين تمهيدا لاظهار إرادة إيجاد المعجز على يديه قال له : ﴿وَأَلْقِ﴾ من يدك ﴿عَصاكَ﴾ فألقاها بلا ريث فانقلبت حية عظيمة تسعى ﴿فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ﴾ وتتحرّك بسرعة ﴿كَأَنَّها جَانٌ﴾ أو حية صغيرة في سرعة الحركة والالتواء ﴿وَلَّى﴾ منه ﴿مُدْبِراً﴾ وفرّ معقّبا ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ ولم يرجع إليه بعد ما فرّ منه. قيل : كان عند فرعون ثعبان وفي الطّور جان (٢) ، فنودي ﴿يا مُوسى﴾ ثق بي و﴿لا تَخَفْ﴾ من غيري ﴿إِنِّي﴾ إله ﴿لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ قيل : يعني حين نزول الوحي لاستغراقهم في مطالعة شؤون الله ، فانّهم حينئذ لا يخطر ببالهم الخوف ، وأما في سائر الاوقات هم أخوف الناس منه تعالى (٣) .
أو المراد أنه لا يكون لهم سوء العاقبة فيخافون منه (٤) ، وإنما يخاف غيرهم من الظالمين ﴿إِلَّا مَنْ ظَلَمَ﴾ منهم نفسه بارتكاب عمل سوء وترك الاولى ﴿ثُمَّ بَدَّلَ﴾ وصيّر عمله ﴿حُسْناً﴾ بالتوبة والتدارك ﴿بَعْدَ﴾ كونه عمل ﴿سُوءٍ﴾ وعصيان في حقّه ، فانّ حسنات الأبرار سيئات المقرّبين ﴿فَإِنِّي﴾ بعد التوبة والتدارك ﴿غَفُورٌ﴾ للتائبين ﴿رَحِيمٌ﴾ بالمؤمنين.
__________________
(١) تفسير أبي السعود ٦ : ٣٧٤.
(٢) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٧٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٢٢.
(٣و٤) تفسير أبي السعود ٦ : ٢٧٤ ، تفسير روح البيان ٦ : ٣٢٣.