فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ * أَ وَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها
مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ
الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥) و (٩)﴾
ثمّ ذمّهم سبحانه على إعراضهم عن الآيات بقوله : ﴿وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ﴾ وعظة ، أو تنبيه وتذكير للحقّ في القرآن الظاهر كونه ﴿مِنْ﴾ قبل ﴿الرَّحْمنِ﴾ بتوسّط نبيه صلىاللهعليهوآله ﴿مُحْدَثٍ﴾ ومجدّد إنزاله لتكرر التذكير ﴿إِلَّا كانُوا﴾ في كلّ كرة من التذكير ﴿عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ ومولّين ﴿فَقَدْ كَذَّبُوا﴾ بذلك الذّكر المحدث المكرّر عقيب الإعراض ، وبلغوا النهاية في ردّ الآيات ، حيث نسبوها تارة إلى السحر ، واخرى إلى الشعر ، وثالثة إلى الأساطير ﴿فَسَيَأْتِيهِمْ﴾ البتة من غير تخلّف بسبب إعراضهم وتكذيبهم المقرون بالاستهزاء ﴿أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ﴾ وأخباره من العقوبة الشديدة العاجلة والآجلة التي بمشاهدتها يطّلعون على حقيقة حال القرآن من أنّه كان حقا نازلا من الله ، أو باطلا مختلقا عليه ، وحقيقا بأن يصدّق ويعظّم قدره ، أو يكذّب ويستخفّ به.
ثمّ أنّه تعالى بعد توبيخهم على تكذيب الآيات التدوينية ، أنكر عليهم في ترك النظر والتفكّر في الآيات التكوينية على التوحيد بقوله : ﴿أَ وَلَمْ يَرَوْا﴾ ولم ينظروا ﴿إِلَى﴾ عجائب صنعنا في ﴿الْأَرْضِ﴾ الميتة اليابسة انا ﴿كَمْ أَنْبَتْنا فِيها﴾ بانزال المطر عليها ﴿مِنْ﴾
﴿كُلِّ زَوْجٍ﴾ وصنف ﴿كَرِيمٍ﴾ ومرضي في ما يتعلّق به من المنافع حتى الضارّ منه ، وإن غفل عنه الناس.
وفي ( الجمع ) بين كلمة ( كم ) التي للكثرة ولفظ ( كلّ ) دلالة على الكثرة في كلّ صنف من الأصناف.
﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ الإنبات ، أو في كلّ واحد من الأزواج ﴿لَآيَةً﴾ عظيمة ودلالة واضحة على كمال قدرته وحكمته ووحدانيته ، ووسعة رحمته الموجبة لايمان الناس والانزجار من الكفر ﴿وَما كانَ﴾ مع ذلك ﴿أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ لعدم تفكّرهم فيها وانهماكهم في الشهوات ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الغالب القاهر على عباده ، القادر على الانتقام من الكفّار ، ومع ذلك يمهلهم لأنّه ﴿الرَّحِيمُ﴾ بهم ورحمته مانعة من تعجيله في عقوبتهم.
﴿وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَ لا يَتَّقُونَ *
قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ
إِلى هارُونَ * وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا
مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ * فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ * أَنْ أَرْسِلْ