مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ * قالَ أَ لَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ *
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ * قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ
الضَّالِّينَ * فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ
الْمُرْسَلِينَ (١٠) و (٢١)﴾
ثمّ لمّا وصف ذاته المقدّسة بالوصفين المقتضيين لإرسال الرّسل وإمهال مكذّبيهم والانتقام منهم بعد حين ، شرع في بيان قصصهم ، ولمّا كان قصّة بعث موسى وامّته أعجب بدأ بذكرها بقوله : ﴿وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى﴾ في جانب الطّور الأيمن من الشجرة ﴿أَنِ ائْتِ﴾ يا موسى ﴿الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ على ربّهم وعلى أنفسهم بالكفر والطغيان ، وعلى بني إسرائيل باستعبادهم وذبح أولادهم ، أعني بالقوم ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ لدعوتهم إلى توحيدي وطاعتي ، وإنذارهم من عذابي على الكفر والعصيان.
ثم اظهر سبحانه التعجّب من جرأتهم عليه بقوله : ﴿أَ لا يَتَّقُونَ﴾ الله ولا يخافونه ، أو لا يحترزون عن عذابه بالايمان والطاعة.
ثمّ كأنّه قيل : ماذا قال موسى ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿قالَ﴾ موسى متضرّعا إلى الله ﴿رَبِ﴾ العالمين ﴿إِنِّي أَخافُ﴾ من ﴿أَنْ﴾ ينكروا نبوتي و﴿يُكَذِّبُونِ﴾ في دعوى رسالتي ﴿وَيَضِيقُ﴾ لذلك ﴿صَدْرِي﴾ وقلبي ، فينقبض منه روحي ﴿وَلا يَنْطَلِقُ﴾ لذلك ﴿لِسانِي﴾ ويزيد فيه الحبسة (١) ، ويعسر عليّ الدعوة والمحاجّة ﴿فَأَرْسِلْ﴾ جبرئيل بالوحي ﴿إِلى﴾ أخي ﴿هارُونَ﴾ الذي هو أفصح لسانا منّي ، ليكون معينا لي في تبليغ رسالتك ، وهداية خلقك ، وإلّا لاختلّت مصلحة بعثي إليهم ﴿وَ﴾ مع ذلك ﴿لَهُمْ﴾ بزعمهم ﴿عَلَيَ﴾ وفي عهدتي ﴿ذَنْبٌ﴾ عظيم ، وهو قتل القبطي دفعا عن السّبطي ﴿فَأَخافُ﴾ أن آتيهم وحدي من ﴿أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ قصاصا قبل ادّعاء الرسالة كما ينبغي ، وأما هارون فلا ذنب لهم عليه ، ففائدة بعثي إليهم معه أتمّ وأكمل ، فردعه الله أولا عن احتمال قتله قبل إكمال التبليغ بقوله ﴿قالَ كَلَّا﴾ لا يقدرون على قتلك بالقصاص وغيره ، ثمّ أجاب مسألته في إرسال هارون معه بقوله ، ﴿فَاذْهَبا﴾ أنت وهارون إلى فرعون وقومه برسالتي مستدلّين على صدقكما في دعوتكما ﴿بِآياتِنا﴾ التسع ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ بالعون والنصرة ، ومع عدوّكما بالقهر والشّوكة ، ولمقالكما ومقال عدوكما ﴿مُسْتَمِعُونَ﴾ ولما يجري بينكما وبينه من الكلام سامعون ﴿فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا﴾ لفرعون وقومه : ﴿إِنَّا﴾ معا ﴿رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ إليك ، وإنّما أفرد الرسول للإشعار باستقلاله في الرسالة
__________________
(١) الحبسة : ثقل في اللسان يمنع من الإبانة.