وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى (١٣٠)﴾
ثمّ لمّا أخبر الله تعالى نبيّه صلىاللهعليهوآله بتأخير عذاب قومه ، أمره بالصبر على أذاهم بقوله : ﴿فَاصْبِرْ﴾ يا محمّد ﴿عَلى ما يَقُولُونَ﴾ من أنّك ساحر أو كاهن أو مجنون أو شاعر أو غيرها ﴿وَسَبِّحْ﴾ ونزّه مقارنا ﴿بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ أو صلّ حامدا له تعالى على ما أنعم عليك من الرسالة ودين الحقّ والتّوفيق للقيام بوظيفة العبوديّة وقوّة الصبر ﴿قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها.﴾
في فضيلة ذكر الله قبل طلوع الشمس وقبل الغروب
روي أنّ الذّكر والتسبيح إلى طلوع الشمس أفضل من إعتاق ثمانين رقبة من ولد إسماعيل (١) .
وعن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « فريضة على مسلم أن يقول قبل طلوع الشمس عشر مرّات وقبل غروبها عشر مرّات : لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، يحيي ويميت ويميت ويحيي وهو حيّ لا يموت ، بيده الخير وهو على كلّ شيء قدير (٢) .
﴿وَ﴾ بعضا ﴿مِنْ آناءِ اللَّيْلِ﴾ وساعاته ﴿فَسَبِّحْ﴾ الله وقدّسه ﴿وَ﴾ كذا ﴿أَطْرافَ النَّهارِ﴾ فسبّحه ، وإنّما قدّم الوقت للدّلالة على مزيد الفضل.
وقيل : إنّ المراد بالتّسبيح الصلاة التطوّعية (٣) .
وعن الباقر عليهالسلام : « التطوّع بالنّهار » (٤) .
﴿لَعَلَّكَ﴾ تنال عنده تعالى ما ﴿تَرْضى﴾ به من المقام المحمود ، أو الشفاعة ، أو النّعم العظيمة.
عن ابن عبّاس : دخلت الصّلوات الخمس فيه ؛ فقبل طلوع الشمس : هو صلاة الفجر ، وقبل غروبها : هو الظهر والعصر ؛ لأنّهما جميعا قبل الغروب ، ومن آناء الليل فسبّح : المغرب والعشاء الآخرة(٥) .
وقيل : إنّ قوله : ﴿وَأَطْرافَ النَّهارِ﴾ يكون تأكيدا للصّلاتين (٦) الواقعتين في طرفي النّهار ، وهما صلاة الفجر والمغرب (٧) .
وإنّما أمره الله بعد الأمر بالصّبر بالتّسبيح والصّلاة ؛ لأنّ ذكر الله والتوجّه إليه يفيد السّكون والراحة للقلوب ، كما قال تعالى : ﴿أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾(٨) .
﴿وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا لِنَفْتِنَهُمْ
__________________
(١) تفسير روح البيان ٥ : ٤٤٤.
(٢) الخصال : ٤٥٢ / ٥٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٦.
(٣) تفسير الصافي ٣ : ٣٢٧.
(٤) الكافي ٣ : ٤٤٤ / ١١ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٢٧.
(٥) تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٣.
(٦) في النسخة : للصلاة.
(٧) تفسير الرازي ٢٢ : ١٣٣.
(٨) الرعد : ١٣ / ٢٨.