فيعجّل سرورهم ﴿وَبُرِّزَتِ﴾ وأظهرت ﴿الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ﴾ والضالين ، وتجعل بمرآهم لينظروا إليها ويتحسّروا على أنّهم مساقون إليها فيعجّل عمههم.
عن الصادق عليهالسلام : « الغاوون [ هم ] الذين عرفوا الحقّ وعملوا بخلافه » (١) .
قيل : يؤتى بالجحيم في سبعين ألف زمام ، وفي اختلاف الفعلين دلالة على ترجيح جانب الوعد ، فانّ التبريز لا يستلزم التقريب ، وفي تقديم ذكر إزلاف الجنّة إشعار بسبق رحمته غضبه (٢) .
﴿وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ *
فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ * وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ * قالُوا وَهُمْ فِيها
يَخْتَصِمُونَ * تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ * وَما
أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ * فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (٩٢) و (١٠١)﴾
ثمّ حكى سبحانه تقريع المشركين بقوله : ﴿وَقِيلَ لَهُمْ﴾ في ذلك اليوم من قبل الله تعالى تقريعا وتوبيخا أيّها المشركون ﴿أَيْنَ ما كُنْتُمْ﴾ في الدنيا ﴿تَعْبُدُونَ* مِنْ دُونِ اللهِ﴾ وممّا سواه من الأصنام الذين تقولون : هؤلاء شفعاؤنا عند الله ﴿هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ﴾ اليوم بدفع العذاب عنكم ﴿أَوْ يَنْتَصِرُونَ﴾ بدفعه عن أنفسهم ؟ فلما لم يكن للتقريع جواب ، حكم بدخول الآلهة وعابديهم في النار ﴿فَكُبْكِبُوا﴾ والقوا ﴿فِيها﴾ على الرؤوس منكوسين مرة بعد اخرى ﴿هُمْ وَالْغاوُونَ﴾ والمعبودون والعابدون و ﴿وَجُنُودُ إِبْلِيسَ﴾ من الشياطين الذين يزيّنون في قلوبهم عبادة الأصنام والمعاصي ويوسوسون إليهم ﴿أَجْمَعُونَ﴾ لا يشذّ منهم أحد ، ليجتمعوا في العذاب كما كانوا يجتمعون في الضلال.
ثمّ أنهم بعد اجتماعهم في جهنّم ﴿قالُوا﴾ لآلهتهم ﴿وَهُمْ فِيها يَخْتَصِمُونَ﴾ وينازعون مع آلهتهم بعد ما أحياهم وأنطقهم بقدرته : ﴿تَاللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ وانحراف واضح عن الحقّ ﴿إِذْ نُسَوِّيكُمْ﴾ ونعدلكم ﴿بِرَبِّ الْعالَمِينَ﴾ في استحقاق العبادة مع أنّكم أدنى خلقه وأذلّهم وأعجزهم ﴿وَما أَضَلَّنا﴾ عن الهدى ودين الحقّ ، وما صرفنا عن التوحيد إلّا كبراؤنا ورؤساؤنا ﴿الْمُجْرِمُونَ﴾ الطاغون حيث زيّنوا لنا عبادتكم وأمرونا بها ﴿فَما لَنا﴾ اليوم أحد ﴿مِنْ شافِعِينَ﴾ فيشفعوا لنا (٣) عند ربنا كما يشفع الملائكة والأنبياء والائمّة والصديقين للمؤمنين ﴿وَلا﴾ من ﴿صَدِيقٍ﴾ ولا من
__________________
(١) عدة الداعي : ٧٦ ، بحار الأنوار ٢ : ٣٧ / ٥٢.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٢٨٨.
(٣) في النسخة : فيشفعونا.