للسؤال والحساب ، وإنّما عبّر سبحانه عن الفزع والإتيان بصيغة الماضي للدلالة على تحقّق وقوعهما ، وقد مرّ كيفية بيان الصّور ، والنّفخ فيه ، وعدد النّفخ ، والفصل بين النفختين (١) .
﴿وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ
كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ (٨٨)﴾
ثمّ ذكر سبحانه من أهوال القيامة حال الجبال بقوله : ﴿وَتَرَى﴾ أيّها الرائي ﴿الْجِبالَ﴾ يومئذ حال كونك ﴿تَحْسَبُها﴾ وتتوهّمها ﴿جامِدَةً﴾ وساكنة في اماكنها ﴿وَهِيَ﴾ في ذلك الوقت ﴿تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ﴾ وتسير كسيره في السرعة ، فانّ الجسم العظيم إذا تحرّك حركة سريعة على نهج واحد في السّمت والكيفية ، ظنّ الناظر أنّه واقف ، مع أنّه متحرّك في غاية السرعة ، وكذا الشيء العظيم الذي لا يحيط بأطرافه البصر ، إذا سار لا يحسّ الناظر سيره ، ويتوهمه واقفا ، وذلك يكون عند النفخة الثانية حين تبدّل الأرض غير الأرض ، وتغيّر هيئتها ، وتسيّر (٢) الجبال عن مقارّها.
وعن بعض العامة ، عن الصادق عليهالسلام - في تأويل الآية - قال : « وترى الأنفس جامدة عند خروج الرّوح ، والروح تسير (٣) في القدس لتأوي إلى مكانها تحت العرش » (٤) .
ثمّ نبّه سبحانه على عظم شأن تلك الأفعال ، وتهويل أمرها ، وكونها من بدائع صنعه المبنية على الحكمة البالغة المستتبعة للغايات الجميلة التي رتّبت لأجلها مقدّمات الخلق ومبادي الإبداع على الوجه المتقن المستحكم بقوله : ﴿صُنْعَ اللهِ﴾ وفعله الجيّد غايته ﴿الَّذِي أَتْقَنَ﴾ وأحكم ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ خلقه ، وسوّاه على ما ينبغي ، ثم علّل النفخ والبعث وسائر أهوال القيامة بقوله : ﴿إِنَّهُ﴾ تعالى ﴿خَبِيرٌ﴾ وعالم ﴿بِما تَفْعَلُونَ﴾ من الطاعة والعصيان ، فيجازيكم عليه بما تستحقّون.
﴿مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ
فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٩ و) (٩٠)﴾
ثمّ بيّن حال المطيعين والعاصين في ذلك اليوم بقوله : ﴿مَنْ جاءَ﴾ في ذلك اليوم ﴿بِالْحَسَنَةِ﴾ والامور الحميدة من العقائد الصحيحة والطاعات الخالصة ﴿فَلَهُ﴾ من الثواب ما هو ﴿خَيْرٌ﴾ وأفضل ﴿مِنْها﴾ فانّ تجلّياته تعالى في الجنّة أفضل من معرفته له تعالى في الدنيا ، ونعمه الأبدية خير من
__________________
(١) تقدم ذكر الصّور في الأنعام / ٧٣ والكهف / ٩٩ وطه / ١٠٢ والمؤمنون / ٢٣.
(٢) في النسخة : وسير.
(٣) في تفسير روح البيان : تسري.
(٤) تفسير روح البيان ٦ : ٣٧٦.