سِخْرِيًّا﴾ وتشاغلتم بالاستهزاء بهم ﴿حَتَّى أَنْسَوْكُمْ﴾ اولئك المؤمنون بسبب الاستهزاء بهم ﴿ذِكْرِي﴾ والتدبّر في آياتي ، وأداء شكري ، والعمل بطاعتي ، فلم تخافوني في الاهانة بأوليائي ﴿وَكُنْتُمْ﴾ مبالغين في الاستهزاء بهم ، حتّى إنّكم كنتم ﴿مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ.﴾
قيل : إن رؤساء قريش كأبي جهل وعتبة وأبي بن خلف ، كانوا يستهزئون بأصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ويضحكون بالفقراء منهم مثل بلال وخبّاب وعمّار وصهيب (١) .
ثمّ بيّن سبحانه من حال المؤمنين عنده ما يوجب ازدياد أسف المستهزئين وحسرتهم بقوله : ﴿إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ﴾ الجنّة ونعمها ﴿بِما صَبَرُوا﴾ على استهزائكم بهم وإيذائكم لهم ﴿أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ﴾ بجميع مقاصدهم من الايمان والأعمال الصالحة والنّعم الاخروية.
ثمّ أنّه تعالى بعد إقناطهم من الرجوع إلى الدنيا ﴿قالَ﴾ لهم تذكيرا لقلّة مكثهم فيها ، أو قال الملك المأمور بالسؤال عنهم : ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ وأيّ مقدار من الزمان مكثتم ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ التي تدّعون الرجوع إليها ﴿عَدَدَ سِنِينَ﴾ ومن حيث تعداد الأعوام
﴿قالُوا﴾ استقصارا لمدة لبثهم فيها بالنسبة إلى مدّة إقامتهم في النار ، أو بالنظر إلى انقضائها ، فإنّ المنقضي في النظر قليل ، أو بالنظر إلى كونها أيّام سرورهم وهي قصار : ﴿لَبِثْنا﴾ ومكثنا فيها ﴿يَوْماً﴾ واحدا ﴿أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ وإن أردت تحقيق المدّة ﴿فَسْئَلِ الْعادِّينَ﴾ والمتمكّنين من تعداد الأيام والسنين ، فانّا بسبب ما دهمنا من العذاب لا يمكننا إحصاؤها.
وقيل : إنّ المراد من العادّين الملائكة العادّون لأعمار الناس وأنفاسهم وأعمالهم (٢) .
القمي ، قال : يعني سل الملائكة الذين يعدّون علينا الأيام ، ويكتبون ساعاتنا وأعمالنا التي اكتسبناها فيها (٣) .
﴿قالَ﴾ الله تعالى أو الملك : ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ﴾ وما مكثتم في الدنيا متمتّعين بنعمها ﴿إِلَّا﴾ زمانا ﴿قَلِيلاً﴾ لم يكن للعاقل أن يعتدّ بالتنعّم والتلذّذ فيه ، وأنتم انهمكتم في الشهوات في ذلك الزمان القليل ، وغفلتم عن سوء العاقبة ، وأتّبعتم هوى أنفسكم ، وهيّأتم لها بأعمالكم العذاب المخلّد ، وأهلكتموها إلى الأبد ، وحرمتموها من النّعم التي ليس لها حدّ و﴿لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ سوء عاقبة التنعّم في الدنيا والغفلة عن الآخرة ، لما فعلتم ما فعلتم ، أو لو كنتم تعلمون الحشر والبعث لعلمتم قلّة لبثكم في الدنيا كما علمتم اليوم.
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٣ : ١٢٥.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ١١٠.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٩٥ تفسير الصافي ٣ : ٤١٢.