وبدت منها خواص بديعة ، علم أنّها آيات باهرة (١) . أو كان المقصود إزالة الرهبة والمهابة من قلب موسى عليهالسلام والاستئناس به.
ثمّ كأنّه قيل : ماذا قال الله إذن ؟ فأجاب سبحانه بقوله : ﴿قالَ﴾ الله ﴿أَلْقِها﴾ من يدك ﴿يا مُوسى﴾ على الأرض ، لترى منها ما لم يخطر بقلبك ﴿فَأَلْقاها﴾ من غير ريث ﴿فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ﴾ عظيمة وثعبان جسيم ، وهي مع غاية عظم جثّتها ﴿تَسْعى﴾ وتمشي على الأرض بسرعة وجلادة كالحيّة الصغيرة.
وفي رواية : أنّه عليهالسلام لمّا ألقاها انقلبت حيّة صفراء في غلظ العصا ، ثمّ انتفخت وعظمت ، فلذلك سمّيت بالجانّ تارة ، وبالثعبان اخرى (٢) .
قيل : كان لها عرف كعرف الفرس ، وكان بين لحييها أربعون ذراعا ، وابتلعت كلّما مرّت به من الصخور والأشجار حتى سمع موسى صرير الحجر في فمها وجوفها (٣) ، فخافها وولّى مدبرا ، فناداه ربّه و
﴿قالَ﴾ : يا موسى ﴿خُذْها﴾ بيدك ﴿وَلا تَخَفْ﴾ منها إنّا ﴿سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا﴾ وحالتها ﴿الْأُولى﴾ التي كانت عليها.
قيل : لمّا قال الله : ﴿لا تَخَفْ﴾ بلغ اطمئنان موسى إلى أن أدخل يده في فمها وأخذ بلحييها(٤).
وفي رواية : أنه أدخل يده بين أسنانها ، فانقلبت خشبة (٥) .
وعن الصادق عليهالسلام : « ففزع منها موسى وعدا ، فناداه الله عزوجل : ﴿خُذْها وَلا تَخَفْ﴾ الآية»(٦).
قيل : إنّ حكمة قلب العصا حيّة في ذلك الوقت معرفة موسى نبوّة نفسه بها (٧) ، لاحتمال كون النداء من باب إظهار غاية اللّطف وعدم خوفه بعد مشاهدة ذلك الأمر من وقوعه عند فرعون وقوّة قلبه في الدعوة ، وعلمه بأنّ الله القادر على قلب العصا ثعبانا ، قادر على نصرته في إظهار الدين وإعلاء كلمة الحقّ.
﴿وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى * لِنُرِيَكَ مِنْ
آياتِنَا الْكُبْرى * اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى * قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي *
وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي (٢٢) و (٢٨)﴾
ثمّ أراه الله آية اخرى على نبوّته بقوله : ﴿وَاضْمُمْ﴾ ومدّ ﴿يَدَكَ﴾ اليمنى ﴿إِلى جَناحِكَ﴾ وإبطك وأدخلها في جيبك ﴿تَخْرُجْ﴾ يدك إذن منه حال كونها ﴿بَيْضاءَ﴾ بقدرة الله ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾
__________________
(١ و٢) تفسير أبي السعود ٦ : ١٠.
(٣) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٨.
(٤ و٥) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٩.
(٦) تفسير القمي ٢ : ١٤٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٣٠٤.
(٧) تفسير الرازي ٢٢ : ٢٨.