﴿قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا
الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً * وَيَزِيدُ اللهُ
الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ
مَرَدًّا (٧٥) و (٧٦)﴾
ثمّ بيّن سبحانه أنّ النّعم الدنيوية خذلان من الله واستدراج لا لطف وكرامة بقوله : ﴿قُلْ﴾ يا محمّد ، لقريش المفتخرين بالحطام الدنيوية ﴿مَنْ كانَ﴾ مستقرا ﴿فِي الضَّلالَةِ﴾ والشّرك والبعد عن الحقّ ﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ وليمهل ﴿لَهُ الرَّحْمنُ﴾ وليعينه على ما هو فيه بطول العمر وكثرة المال والنّعم ﴿مَدًّا﴾ وإمهالا كثيرا مستمرّا ﴿حَتَّى إِذا رَأَوْا﴾ وعاينوا ﴿ما يُوعَدُونَ﴾ بلسان الأنبياء ، وذلك الموعود ﴿إِمَّا الْعَذابَ﴾ الدنيوي ﴿وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ والقيامة وما فيها من الأهوال والنّكال ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ حين وقوع أحدهما ﴿مَنْ هُوَ﴾ من الفريقين ﴿شَرٌّ مَكاناً﴾ ومن هو خير مقاما ﴿وَ﴾ من ﴿أَضْعَفُ جُنْداً﴾ وأقلّ أنصارا وأقوى أعوانا ، هم أم المؤمنون ، فإن قتلوا وغلب المسلمون عليهم علموا أنّهم أضعف جندا.
القمي : العذاب : القتل ، والساعة : الموت (١) .
وقيل : إنّ العذاب عذاب الله عند الموت (٢) . وقيل : عذاب القبر (٣) . وقيل : تغيّر حالهم في الدنيا من الغنى إلى الفقر ، ومن العزّ إلى الذّلّ ، ومن الأمن إلى الخوف (٤) .
ثمّ بيّن سبحانه معاملته مع المؤمنين بقوله : ﴿وَيَزِيدُ اللهُ﴾ المؤمنين ﴿الَّذِينَ اهْتَدَوْا﴾ بهدايته إلى التوحيد ودين الحقّ ﴿هُدىً﴾ وإيمانا ويقينا. وقيل : يعني ثوابا (٥) .
وعن الصادق عليهالسلام : ﴿وَيَزِيدُ اللهُ ،﴾ قال : « يزيدهم يوم خروج القائم هدى على هدى بإتّباعهم القائم حيث لا يجحدونه ولا ينكرونه » (٦) .
﴿وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ﴾ التي مرّ تفسيرها في سورة الكهف (٧)﴿خَيْرٌ﴾ وأفضل ﴿عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً﴾ وأجرا في الدنيا والآخرة ممّا يفتخر به المشركون من الحطام والحظوظ العاجلة ﴿وَخَيْرٌ مَرَدًّا﴾ ومآلا ؛ لأنّ مآلها النّعم الدائمة ، ومآل حظوظ الكفّار العذاب الأبديّ (٨) .
﴿أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَقالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَوَلَداً * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٥٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩١.
(٢-٤) تفسير الرازي ٢١ : ٢٤٧.
(٥) تفسير الرازي ٢١ : ٢٤٨.
(٦) الكافي ١ : ٣٥٧ / ٩٠ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٩٢.
(٧) في الآية (٤٦) من سورة الكهف.
(٨) في النسخة : الأبدية.