﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ *
وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ
إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ * أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ (٥٧) و (٦١)﴾
ثمّ وصف سبحانه الّذين يسارع لهم في الخيرات بقوله : ﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ﴾ ومهابته وخوف عذابه ﴿مُشْفِقُونَ﴾ ووجلون ، أو مرتعدون. وقيل : إنّ المراد من الخشية نفس العذاب ، والمعنى أنّ الّذين هم من عذاب ربّهم خائفون (١) . وقيل : إنّ المراد من الإشقاق شدّة الخوف (٢) . وقيل : هو الدّوام في الطاعة (٣) .
﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ﴾ وحدانيّة ﴿رَبِّهِمْ﴾ الآفاقيّة والأنفسيّة والمنزلة بتوسّط الأنبياء وشواهد كمال ذاته المقدّسة ﴿يُؤْمِنُونَ﴾ ويصدّقون بالقلب واللّسان والجوارح ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ﴾ في الالوهيّة والرّبوبيّة والعبادة ﴿لا يُشْرِكُونَ﴾ غيره شركا جليّا أو خفيّا ، ولا يقصدون بأعمالهم غيره ، ولا يتوجّهون إلى سواه ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ﴾ ويعطون ﴿ما آتَوْا﴾ وأعطوا من الصّدقات والكفّارات وغيرهما من حقوق الله ، ومن الأمانات والدّيون وغيرهما من حقوق النّاس ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ وخائفة أو مرتعدة من تقصيرهم وإخلالهم في الأداء بتنقيص أو غيره ، لكونهم معتقدين ﴿أَنَّهُمْ﴾ بعد الموت ﴿إِلى رَبِّهِمْ﴾ ومليكهم ﴿راجِعُونَ﴾ وعن تقصيراتهم مسؤولون ، لعلمه تعالى بما يخفى عليهم من الخلل ويؤاخذهم عليه.
عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن هذه الآية فقال : « هي إشفاقهم ورجاؤهم ؛ يخافون أن تردّ عليهم أعمالهم إن لم يطيعوا الله عزّ ذكره ويرجون أن تقبل منهم » (٤) .
وعنه عليهالسلام : ﴿ وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ معناه خائفة أن لا يقبل منهم » (٥) . وفي رواية : « يؤتى ما أتى وهو خائف راج » (٦) .
وعنه عليهالسلام في هذه الآية : « يعملون ما عملوا من عمل وهم يعلمون أنّهم يثابون عليه » (٧) .
وعنه عليهالسلام في رواية : ألا ومن عرف حقّنا ، ورجا الثّواب فينا ، ورضي بقوته نصف مدّ في كلّ يوم ، وما ستر عورته ، وما أكنّ رأسه ، وهم والله في ذلك خائفون ، ودّوا أنّه حظّهم من الدّنيا ، وكذلك وصفهم الله تعالى فقال : ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا﴾ إلى آخره » .
ثمّ قال : « ما [ الذي ] آتوا ؟ والله الطاعة مع المحبّة والولاية ، وهم في ذلك خائفون ، ليس خوفهم
__________________
(١-٣) تفسير الرازي ٢٣ : ١٠٦.
(٤) الكافي ٨ : ٢٢٩ / ٢٩٤ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٢.
(٥و٦) مجمع البيان ٧ : ١٧٦ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٢.
(٧) المحاسن : ٢٤٧ / ٢٥٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٢.