خوف شكّ ، ولكنّهم خافوا أن يكونوا مقصّرين في محبّتنا وطاعتنا » (١) .
﴿أُولئِكَ﴾ المتّصفون بتلك الصفات الحميدة هم الذين بأعمالهم الصالحة ﴿يُسارِعُونَ﴾ إلى نيل المثوبات في الدّنيا ويتقلّبون ﴿فِي الْخَيْراتِ﴾ والمنافع الكثيرة في الدّارين كما قال تعالى : ﴿فَآتاهُمُ اللهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَحُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ﴾(٢)﴿وَهُمْ لَها سابِقُونَ﴾ حيث عجّلت لهم في الدّنيا ، ونالوها قبل الآخرة ، فأثبت الله للمؤمنين ما نفاه عن الكفّار.
وفي إسناد المسارعة إليهم إشعار بغاية استحقاقهم ، فكأنّ الله قرّب إليهم الخيرات حتى يسارعوا إليها ويخيّروها.
وقيل : إنّ المراد من الخيرات الطاعات المؤدّية إلى الثواب ، والمعنى يجتهدون في الطّاعات بأشدّ الشّوق والرّغبة ، وهم لأجلها سابقون النّاس خوفا من أن يدركهم الموت ويبتلوا بحسرة الفوت (٣) .
عن الباقر عليهالسلام : « هو عليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، لم يسبقه أحد » (٤) .
أقول : يعني هو عليهالسلام أظهر مصاديقه.
﴿وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها وَلَدَيْنا كِتابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٢)﴾
ثمّ رغّب سبحانه المؤمنين المهتمّين بالطّاعة فيها ، ببيان منّته عليهم بتسهيل تكاليفه ووعدهم بالثّواب بقوله : ﴿وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً﴾ من النّفوس تكليفا ﴿إِلَّا﴾ ما كان ﴿وُسْعَها﴾ ودون طاقتها بحيث لا تكون في امتثاله مشقّة عليها ﴿وَلَدَيْنا كِتابٌ﴾ مكتوب فيه أعمال النّاس أو طاعات المسارعين والسّابقين ﴿يَنْطِقُ﴾ ويبيّن الأعمال للنّاظرين فيه كالنّطق بها حال كونه ملتبسا ﴿بِالْحَقِ﴾ والصّدق ومطابقة الواقع كمّا وكيفا ﴿وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ بتنقيص الثّواب وازدياد العقاب.
عن السجّاد عليهالسلام أنّه كان إذا دخل شهر رمضان يكتب على غلمانه ذنوبهم حتى إذا كان آخر ليلة منه دعاهم ، ثمّ أظهر لهم الكتاب وقال : « يا فلان فعلت كذا وكذا ولم اؤدّبك » فيقرّون أجمع ، فيقوم وسطهم ويقول : « ارفعوا أصواتكم وقولوا : يا عليّ بن الحسين ، ربّك قد أحصى عليك ما عملت كما أحصيت علينا ، ولديه كتاب ينطق بالحقّ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلّا أحصاها ، فاذكر ذلّ مقامك بين يدي ربّك الذي لا يظلم مثقال ذرّة وكفى بالله شهيدا ، فاعف واصفح يعف عنك المليك لقوله تعالى: ﴿وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ﴾(٥) » ويبكي وينوح (٦) .
__________________
(١) الكافي ٢ : ٣٣٠ / ١٥ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٢.
(٢) آل عمران : ٣ / ١٤٨.
(٣) تفسير أبي السعود ٦ : ١٤٠.
(٤) تفسير القمي ٢ : ٩٢ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٣.
(٥) النور : ٢٤ / ٢٢.
(٦) مناقب ابن شهر آشوب ٤ : ١٥٨ ، تفسير الصافي ٣ : ٤٠٣.