وقيل : كان القوم يصلّون في الوقتين بإذنه (١) . ثمّ مضى الحال على زكريّا كذلك ثلاثة أيّام بلياليها ، ثمّ عاد إلى حالته الأولى.
﴿يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا * وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً
وَكانَ تَقِيًّا * وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٢) و (١٤)﴾
ثمّ تولّد يحيى عليهالسلام بعد مضيّ مدّة حمله ونما ، وكان في صغره يلبس الصوف ويوافق الأخيار في الرياضة والعبادة ، حتى نزل عليه الوحي ، وخاطبه الله إلهاما بقوله : ﴿يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ﴾ المنزّل على موسى واعمل به ﴿بِقُوَّةٍ﴾ وجدّ واستظهار بالتوفيق والتأييد ، واصبر على مشاقّ النبوّة وتحمّل أعباء الرسالة.
في ذكر صفات يحيى وفضائله
ثمّ أخبر سبحانه بجلالة شأنه في الصبى بقوله : ﴿وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ﴾ من العقل الكامل وفهم حقائق التوراة والفقه في الدين والنبوّة والرسالة في وقت كونه ﴿صَبِيًّا﴾ غير بالغ الحلم ﴿وَ﴾ آتيناه ﴿حَناناً﴾ وعطوفة عظيمة ورحمة خاصّة ﴿مِنْ لَدُنَّا﴾ وبسعة فضلنا ﴿وَزَكاةً﴾ وطهارة من كلّ ذنب ونقص ﴿وَكانَ تَقِيًّا﴾ وخائفا من ربّه ، أو محترزا من كلّ ما لا يليق بمقامه ، ﴿وَ﴾ كان ﴿بَرًّا﴾ ورحيما ﴿بِوالِدَيْهِ﴾ ومحسنا إليهما ﴿وَلَمْ يَكُنْ﴾ في آن من أوان عمره ﴿جَبَّاراً﴾ ومتكبّرا عليهما ، أو على أحد من النّاس ، أو مسيئا إليهما ، أو إلى أحد و﴿عَصِيًّا﴾ وعاقا لهما ، أو عاصيا لربّه.
وعن تفسير الإمام عليهالسلام : « ما ألحق الله صبيّا برجال كاملي العقول إلّا هؤلاء الأربعة : عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريّا ، والحسن ، والحسين » .
ثمّ ذكر قصّتهم ، وذكر في قصّة يحيى قوله تعالى : ﴿وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ قال : « ومن ذلك الحكم أنّه كان صبيّا فقال له الصبيان : هل تلعب ؟ قال : والله ما للّعب خلقنا ، وإنّما خلقنا للجدّ لأمر عظيم. ثمّ قال : ﴿وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا﴾ يعني تحنّنا ورحمة على والديه وسائر عبادنا ﴿وَزَكاةً﴾ يعني طهارة لمن آمن به وصدّقه ﴿وَكانَ تَقِيًّا﴾ يتّقي الشّرور والمعاصي ﴿وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ﴾ محسنا إليهما مطيعا لهما ﴿وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا﴾ يقتل على الغضب ، ويضرب على الغضب ، [ لكنّه ] ما من عبد لله تعالى إلّا وقد أخطأ أو همّ بخطيئة إلّا يحيى بن زكريّا فلم يذنب ولم يهمّ بالذّنب (٢) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢١ : ١٩١.
(٢) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٦٥٩ ، تفسير الصافي ٣ : ٢٧٥.