للأبعدين الأجهلين ، اللذين عبد الصّنم في أكثر عمرهما ، وكانا يتعلّمان من كعب الأخبار وأبي هريرة وأضرابهما ، وكانت النساء أفقه منهما (١) ، إلى غير ذلك من مثالبهما ، ثمّ كيف كان أبو بكر معينا له في التبليغ مع عدم أهليّته لتبليغ براءة ؟
ثمّ ﴿قالَ﴾ الله إجابة لدعائه : ﴿قَدْ أُوتِيتَ﴾ واعطيت من قبلنا ﴿سُؤْلَكَ﴾ ومطلوبك ﴿يا مُوسى﴾ قيل : أزال الله لكنة لسانه بالكليّة (٢) ، وقيل : أزال أكثرها (٣) ، وجعل له هارون وزيرا ، وكان أكبر سنّا وأفصح لسانا منه.
﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى * إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي
التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ
وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي (٣٧) و (٣٩)﴾
ثمّ قوّى سبحانه قلبه وهيّجه على القيام بوظيفته بقوله : ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا﴾ وأنعمنا ﴿عَلَيْكَ﴾ لطفا وتفضّلا بالنعم الكثيرة ﴿مَرَّةً أُخْرى﴾ في بدو ولادتك ﴿إِذْ أَوْحَيْنا﴾ بعد ولادتك ﴿إِلى أُمِّكَ﴾ وألهمناها ، أو قلنا لها في الرؤيا ، أو بتوسّط الملك الذي تمثّل لها كما تمثّل لمريم ﴿ما﴾ يجب أن ﴿يُوحى﴾ وينبّه من الأمر العظيم اللازم الوقوع ، أو ما لا يمكن أن تعلم به إلّا بالوحي ، وهو أنّه لمّا خافت امّك عليك من فرعون ، أوحينا إليها ﴿أَنِ اقْذِفِيهِ﴾ وضعيه ﴿فِي التَّابُوتِ﴾ والصّندوق ﴿فَاقْذِفِيهِ﴾ وألقيه مع التّابوت ﴿فِي الْيَمِ﴾ ونهر النّيل ﴿فَلْيُلْقِهِ﴾ بعد ذلك ﴿الْيَمِ﴾ والنهر بموجه ﴿بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ﴾ عند ذلك فرعون الذي هو ﴿عَدُوٌّ لِي﴾ لكفره وطغيانه ﴿وَعَدُوٌّ لَهُ﴾ لكونه من الخوف منه بصدد قتله.
روي أنّ امّ موسى جعلت في التابوت قطنا ، ووضعت موسى فيه ، ثمّ أحكمته بالقير لئلّا يدخل فيه الماء ، وألقته في اليمّ ، وكان يدخل منه إلى بستان فرعون نهر ، فدفعه الماء إليه ، فأتى به إلى بركة في البستان ، وكان فرعون جالسا ثمّة مع آسية بنت مزاحم ، فأمر به فاخرج ، ففتح فإذا هو صبيّ أصبح الناس وجها ، وسمّاه موسى لمّا وجده في الماء عند الشجرة ، فإنّ كلمة ( مو ) على ما قيل بالقبطيّة الماء ، وكلمة ( سا ) هو الشجر (٤) .
وعن الباقر عليهالسلام : « أنّ موسى عليهالسلام لمّا حملته امّه لم يظهر حملها إلّا عند وضعه ، وكان فرعون قد
__________________
(١) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ١ : ١٨٢ ، و١٢ : ٢٠٨ ، و١٧ : ١٧١.
(٢ و٣) تفسير الرازي ٢٢ : ٤٨.
(٤) تفسير روح البيان ٥ : ٢٨٣.