القمي قال : من المؤمنين ، أي من المهتدين ، لأنّ الايمان قد لزمهم بالإقرار (١) .
ثمّ حكى سبحانه شدة قساوة قلوب أكثر امّة إبراهيم تسلية لحبيبه صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿إِنَّ فِي ذلِكَ﴾ المذكور من احتجاجات إبراهيم عليهالسلام ولجاج قومه ﴿لَآيَةً﴾ عظيمة وعظة نافعة لمن يتّعظ ، وعبرة لمن يعتبر من قوم إبراهيم ﴿وَما كانَ﴾ مع ذلك ﴿أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ به ، كما لم يكن أكثر قومك مؤمنين بك.
روي أنّه لم يؤمن بابراهيم عليهالسلام من أهل بابل إلّا لوط وبنت نمرود (٢) .
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمّد ﴿لَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ والقادر على الانتقام وتعجيله ، لكنّه ﴿الرَّحِيمُ﴾ بهم لإمهالهم كي يؤمنوا أو يلدوا مؤمنا.
﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَ لا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ
رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ
عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ * فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ * قالُوا أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ
الْأَرْذَلُونَ * قالَ وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ * إِنْ حِسابُهُمْ إِلاَّ عَلى رَبِّي لَوْ
تَشْعُرُونَ (١٠٥) و (١١٣)﴾
ثمّ ثلّث سبحانه بقصة نوح وقومه التى كانت أعظم من القصّتين (٣) السابقتين ازديادا لتسلية النبي صلىاللهعليهوآله بقوله : ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ نوحا من ابتداء دعوته إلى انتهائها ، وهم بتكذيبه كذّبوا الأنبياء ﴿الْمُرْسَلِينَ﴾ جميعهم ، أو المراد أنّهم كذّبوا جميع المرسلين ، وكان نوح عليهالسلام منهم ﴿إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ﴾ وواحد منهم معروف بينهم بالصدق وسلامة النفس والشفقة عليهم اسمه ﴿نُوحٌ﴾ نصحا وعظة : يا قوم ﴿أَ لا تَتَّقُونَ﴾ الله في ترك عبادته والاشتغال بعبادة غيره ، واعلموا ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ﴾ من الله مبعوث فيكم لدعوتكم إلى توحيده وعبادته ، وقد علمتم أنّي ﴿أَمِينٌ﴾ في جميع الامور ، فعليكم أن تأمنوني على دينكم ، وما أخبر به عن ربّكم ، ولا تتّهموني بالكذب والخيانة في نصحكم ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ في مخالفتي ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ في ما آمركم به من توحيده وعبادته ﴿وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ شيئا ﴿مِنْ أَجْرٍ﴾ وجعل ﴿إِنْ أَجْرِيَ﴾ وما جعلني على تأدية الرسالة ﴿إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ﴾ لأن عملي له ، فيكون أجري عليه ، فاذا علمتم عدم طمعي في أموالكم ﴿فَاتَّقُوا اللهَ﴾ في إنكار رسالتي
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ١٢٣ ، تفسير الصافي ٤ : ٤٣.
(٢) تفسير روح البيان ٦ : ٢٩١.
(٣) في النسخة : القضيتين.